لأنني لم أكن «وجهاً مألوفاً» داخل قاعات ومدرّجات الدروس والمحاضرات خلال الموسم الأول، لم يفلح الكثير من الطلبة الذين «جاورتهم» في إخفاء مفاجأتهم وهم يرونني إلى جانبهم على مقاعد السنة الثانية.. ومثل الموسم الذي سبق، اكتفيتُ بالمحاضرات الأولى لأرسم خريطةَ طريقٍ خاصةً بالموسم الجامعي الثاني. كان عدد المسجَّلين في قوائم السنة الثانية أقل بالنظر إلى «بقاء» أعداد كبيرة من الطلبة في السنة الأولى التي اضطروا للإقامة الجبرية بين أقسامها لأسباب تختلف من طالب إلى طالب ومن طالبة إلى طالبة.. حتى ملامحُ الطلبة باتتْ تترسّخ أكثر وترتسم قسماتُ الوجوه بشكل أوضحَ في الذاكرة! وعلى نفس الوتيرة، ابتدأ موسم جامعيّ آخرُ في درب الحصول على شهادة «لاليصانصْ» المأمولة.. علاقتي بالكثير من أساتذة الإعدادي والثانوي شهدت نوعا من الاستمرارية. لم تمنعني إكراهات الجامعة من الحفاظ على بعض العلاقات على هذا المستوى. والحقيقة أن أولَ ما كان يحكم على مسار الطلبة الجامعيين بالنجاح أو بالفشل في دراساتهم هو مدى محافظتهم على هذه العلاقة مع أساتذتهم القدامى أو قطعهم لأواصرها.. وإذ كان أساتذة الجامعات يلقون محاضراتهم وسط حشود من الطلبة وينسحبون في هدوء حتى يحين موعد المحاضرة القادمة، فقد كانت إمكانية التواصل بينهم وبين عموم الطلبة صعبة بالمقارنة مع غيرهم من أساتذة المراحل السابقة. بعض أساتذة الثانوي والإعدادي ربطتنا بهم علاقات إنسانية متينة. كنا نزور بعضَهم في بيوتهم ويستقبلوننا في مكتباتهم الخاصة بين أبنائهم وأسرهم.. وبين مناقشة جديد الإصدارات وتبادل الآراء حول آخر النظريات والتوجهات في دراسات و«قراءات» الأدب وبين اقتراض بعض من هذه الكتب، توسّعت دائرة معارفنا أكثر وأضحتْ فُرَصُنا في مواكبة إيقاع الدراسة بين أسوار الجامعة أقوى وأوفرَ.. نتائج السنة الأولى أخلّتْ بحسابات العديد من الطلبة بعد أن حكمتْ عليهم ب«إعادة الشريط من البداية». لكنْ ما دمنا في الجامعة فلا ضررَ في حكاية الرسوب تلك والتي كانت تحكمها معادلاتٌ وزوايا نظرٍ مخالفةٌ لِما كانت عليه الأمور في المراحل السابقة.. لم يعد «تكرار السنة» إذن يشكل مكمنا لحسابات البعض «الضيّقة»! فوق ذلك صارت بعض «الوجوه»، من كثرة تكرارها لنفس السنة، تضاهي في الشهرة وجوه المتفوقين والمتميّزين.. ومع مرور الأسابيع فالأشهر، كانت ملامحُ الموسم الدراسيّ تتشكّل يوما عن يوم وتكتمل حلقاته المفضية إلى الامتحانات النهائية بشقّيْها الكتابيّ والشفوي.. يتبع...