من حسن حظ الوزراء والمسؤولين السياسيين المغاربة أن زوجات بعضهم لسن مثل الزوجة السابقة لوزير الهجرة الفرنسي «ستيفاني مارطو». فعندما يطلق وزير أو مسؤول سياسي مغربي زوجته لكي يرتبط بزوجة أخرى أصغر منها سنا، «تكمدها» الزوجة الأولى في قلبها و«تضربها بسكتة» خوفا من نفوذ زوجها. أما زوجة وزير الهجرة الفرنسي «إريك بوسون» فبمجرد ما وصلتها ورقة الطلاق، شمرت عن ذراعيها وشرعت في تأليف كتاب تحت عنوان «دليل حرب الشوارع للنساء المخدوعات»، حيث انتقمت الزوجة المطلقة، التي تطل من خمسينيات العمر، لكرامتها كامرأة من طليقها وزوجته الشابة التي سرقت قلبه. واليوم، لا تكاد تفتح قناة تلفزيونية فرنسية دون أن تطل عليك منها زوجة وزير الهجرة السابقة بتسريحة شعرها المنكوش الأشقر ونظراتها المتقدة الشبيهة بنظرات أية امرأة مطعونة في كرامتها، وهي تعطي الدروس للفرنسيات اللواتي يوجدن في سنها واللواتي تخلى عنهن أزواجهن من أجل الارتباط بشابات في عمر بناتهم. هذا في وسائل الإعلام الفرنسية، أما في وسائل الإعلام الخليجية فلا حديث هذه الأيام سوى عن المرأة السعودية التي طلبت الطلاق من زوجها لأنها اكتشفت أن هذا الأخير يسجل رقمها في مفكرة هاتفه تحت اسم «غوانتانامو». ولم تكتشف الزوجة الأمر سوى صدفة عندما نسي الزوج هاتفه في المنزل وحاولت زوجته الاتصال به، فرن الهاتف في المنزل. وعندما عثرت عليه يرن اكتشفت أن الاسم الذي يرافق رقمها في شاشة الهاتف هو «غوانتانامو» عوض أم أحمد. فسارعت إلى طلب الطلاق مع إلزام الزوج بدفع تعويض لزوجته عن الضرر الذي لحقها جراء هذه الإهانة. ولو أن زوجات مغربيات كثيرات يقع لهن ما وقع لهذه الزوجة السعودية لاكتشفن أن أسماءهن في هواتف أزواجهن لا تبتعد كثيرا عن هذه الأوصاف. فكثير من الأزواج المغاربة لا يخجلون عندما يعتذرون من أصدقائهم في المقاهي، وهم يستعدون للعودة إلى البيت، بأن «الداخلية» تنادي عليهم. والداخلية في المغرب هي الزوجة، كما أن البعض يسميها «الكوميسير»، وهي كلها أسماء تحيل على السلطة أو كما يسميها المغاربة «لحكام». أما في المغرب، وتحديدا في وجدة، فقد تقدم القاضي، الذي حكمت المحكمة على زوجته بثلاث سنوات ونصف حبسا في قضية تعذيب الخادمة زينب، بطلب إلى محكمة الأسرة بغاية تطليق زوجته منه. ومن بين الأسباب التي دفعت القاضي إلى الرغبة في تطليق زوجته السجينة كونها أخفت عنه إصابتها بمرض نفسي ظلت تتابع جلسات علاج بسببه في الحسيمة. كما أن القاضي اكتشف مؤخرا أن زوجته سافرت إلى «ستراسبورغ» الفرنسية ثلاث مرات دون علمه بغرض تلقي العلاج. هنا نحن، إذن، أمام قاض لم يكن على علم بتشغيل زوجته لقاصر ضدا على مدونة الشغل والمواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب في مجال حماية الطفولة، كما أنه لم يكن على علم بتعذيب زوجته للخادمة طيلة أيام بالزيت المغلى والقضبان الحديدية والأسلاك الكهربائية، كما لم يكن على علم بمتابعة زوجته لجلسات علاج نفسي في الحسيمة. وأخيرا، نحن أمام قاض سافرت زوجته، التي ترعى أربعة أطفال، ثلاث مرات خارج المغرب دون أن يفطن إلى ذلك. «حاجة من جوج»، يا إما أن الزوج لم يكن يسكن مع زوجته في البيت نفسه، وهكذا نفهم كونه لم ير شيئا، يا إما أنه كان يسكن مع زوجته ويرى كل شيء ويريد اليوم أن يفلت بجلده من أية متابعة محتملة بلائحة تهم، أقلها المشاركة في الاحتجاز والتعذيب وعدم التبليغ وعدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر. لو كنت مكان القاضي واكتشفت أن زوجتي مصابة، فعلا، بمرض نفسي وعثرت على وثائق وشواهد طبية تثبت أنها تتلقى العلاج في المغرب وخارجه، لفعلت كل شيء لكي يكون هذا الاكتشاف في صالح الزوجة المعتقلة. وإذا ثبت، فعلا، أن الزوجة مريضة نفسيا، بشهادة أطبائها داخل المغرب وخارجه وبعد خضوعها لخبرة طبية محايدة تختارها المحكمة، فإن مكانها الطبيعي يكون هو المصحة العقلية وليس السجن. هذا ما يفترض في أي زوج أن يقوم به لمساعدة زوجته على الخروج من محنتها، لا أن يسارع إلى وضع طلب لتطليقها بينما هي وراء القضبان. والكارثة في هذه الحكاية هي أن زوجة القاضي، التي ستجد نفسها مطلقة بأربع أطفال، قبلت خلال أطوار المحاكمة أن تتحمل أوزار هذه القضية من أولها إلى آخرها لوحدها، وكتبت اعترافا صريحا تتحمل فيه أمام المحكمة مسؤولية كل ما وقع للخادمة زينب من تعذيب وسوء معاملة. واضح، إذن، أن الزوجة فعلت كل ما فعلته من أجل حماية زوجها القاضي من المتابعة، حتى لا يفقد وظيفته في حالة إدانته، وبالتالي تفقد الأسرة موردها المعيشي الوحيد. ولم يتأخر الزوج في رد المعروف إلى زوجته المعتقلة، فقد وضع طلبا للتطليق لأنه لا يستطيع العيش مع زوجة مريضة نفسيا تتابع علاجها سرا داخل المغرب وخارجه، وتوجد الآن مرمية في السجن بعيدا عن أطفالها. رغم أن أصناف العذاب الذي أذاقته هذه المرأة لطفلة في الثانية عشرة من عمرها تجعل كل واحد منا يشعر بالرغبة في رؤيتها مرمية في السجن لفترة أطول من تلك التي حكمت بها عليها المحكمة، فإن كل واحد منا، وخصوصا النساء، سيجد نفسه أيضا عاجزا عن لجم عاطفته التي ستضعف أمام مشهد امرأة محرومة من أطفالها الأربعة، مرمية في السجن، وفوق كل ذلك يأتيها حارس الزنزانة بورقة طلاق من الزوج الذي حمت ظهره وسمعته من التمريغ في الوحل. إنه منظر لا نتمناه لأحد. إذا كان الزوج القاضي قد توصل، فعلا، بوثائق تثبت أن زوجته تعاني مرضا نفسيا، فإن روح العدالة التي يجسدها القاضي يجب أن تنتصر على روح الزوج المخدوع الذي يكتشف فجأة أنه كان آخر من يعلم. وروح العدالة التي يجسدها القاضي يجب أن تدفعه إلى مطالبة المحكمة بعرض زوجته على خبرة طبية محايدة من أجل التأكد من صحة الشواهد الطبية المتوفرة لدى شقيقها، عوض أن يقرر التخلي عنها بتطليقها من وراء القضبان. إن مأساة هذه الزوجة ومأساة زوجة وزير الهجرة الفرنسي «إريك بيسون» تلخصان مآسي الآلاف من زوجات الوزراء والبرلمانيين والمسؤولين اللواتي يجدن أنفسهن فجأة في مرحلة من مراحل العمر أمام ساعي البريد الذي يحمل إليهن ورقة الطلاق. هناك منا نحن الرجال من لا يزال يخلط زوجته بسيارته ويجد أنها مع تقدمها في السن وصلت مرحلة «لاكاص» وينبغي أن تدخل «الفوريان»، ويقرر تطليقها من أجل الارتباط بزوجة شابة لكي يبدأ من جديد فترة «الروداج». وبالنسبة إلى الزوجات اللواتي ضحين بشبابهن، إلى جانب أزواجهن إلى أن وصل هؤلاء إلى مراتب عليا في سلم المسؤوليات، فإن التخلي عنهن في منتصف الطريق هو بمثابة طعنة غادرة في الظهر لا يعرف «حرها» إلا النساء اللواتي جربنها فعلا. وأستاذة الجغرافيا «ستيفاني مارطو» جربت حر هذه الإهانة وقررت أن تؤلف كتابا عن زوجها الوزير تضرب له فيه الطر كما ينبغي. أعرف زوجات كثيرات صنعن المستقبل المهني والسياسي لأزواجهن، ومنحنهم شبابهن ووقتهن، وأحيانا مالهن، لكي يحققوا أحلامهم وطموحاتهم. وعندما اعتدل هؤلاء في جلستهم فوق كرسي المسؤولية كان أول شيء قاموا به هو تصفية حسابهم مع زوجاتهم اللواتي وصلن الخمسين من العمر ولم يعدن صالحات لمرافقتهم إلى الأمسيات الراقصة والحفلات الاجتماعية. هؤلاء الأزواج كثيرا ما يحدث أن «تتلبطهم» شابات في مقتبل العمر يجمعن لهم «حب وتبن» ويجعلن منهم «دفة» في انتظار أن يكتبوا لهن نصف ممتلكاتهم استعدادا لساعة «دردبتهم مع الدروج». «باش قتلتي باش تموت».