تمكنت عناصر الشرطة السياحية بالدار البيضاء من فك لغز سرقات متتالية بمنطقة آنفا، بطلها شاب مشلول يدعى(ه.ز) من مواليد 1987، يمتطي دراجة زرقاء رباعية الدفع بمساعدة شخص آخر مازال البحث جاريا عنه. وتلقى الجهاز الأمني، الذي كانت الوسيلة المستعملة جديدة بالنسبة إليه، شكايات بخصوص شخصين يمتطيان دراجة رباعية الدفع يمارسان السرقة بالخطف وتحت التهديد بالسلاح الأبيض. وبناء على ذلك شددت المراقبة على مستوى شارع 2 مارس بتراب آنفا إلى أن ألقي على أحدهما القبض بتاريخ 29 شتنبر الماضي. ترعرع (ه.ز.) في أسرة ثرية جدا. كان مدلل والديه، وتربى في ترف ونعيم لا أثر فيها للحرمان أو الفقر. أينع عوده وقويت عضلاته، لم يكن (ه.ز.) ممن يستهويهم التعلم أو التحصيل، ولا ممن يغريهم بلوغ مناصب المسؤولية، لذلك قطع الحبل الموصل لكل ذلك في بداياته الأولى، ومقابل ذلك كان حب آخر «لمهنة أخرى» يملأ جانبا كبيرا من قلبه، ويشغل تفكيره بالكامل. كانت الفكرة التي دعمتها الرغبة، ثم تلتها التجربة الأولى والثانية والثالثة و..و.. إلى أن أضحت السرقة هواية وحرفة وفنا وركوب مغامرة.. لم يكن )ه.ز.( ليعير اهتماما إلى وضعه الاجتماعي الذي لا يبرر ما تقترفه يداه، فهو الطفل والشاب الذي عاش بتراب آنفا في «فيلا» فسيحة مترامية الأطراف، من أسرة ميسورة جدا تملك محلات متعددة للتجارة، لذلك كان يلف مغامراته في إزار من الصمت والكتمان سوى عن شريكه الوحيد وساعده الأيمن وشريك دربه الذي لا يخفي عنه كبيرة ولا صغيرة. كان(ه.ز) الذي يعشق سلب الناس حاجياتهم، ينخرط باستمرار في ذلك إلى أن تعرض إلى حادث سير مروع سنة 2006 حوله من إنسان سليم إلى معاق لا قدرة له على الحركة إثر إصابته بشلل تام بجزئه السفلي (رجليه)، ولم يستطع وضعه الجديد أن يثنيه عن رغبته المندفعة في ممارسة نشاطه المفضل، فما إن استجمع عافيته حتى «عادت حليمة إلى عادتها القديمة»، لكن بخطة عمل أخرى وبشكل فريد بالنسبة إلى تراب مقاطعة آنفا بالدار البيضاء، فهي الرقعة التي تضم فئات اجتماعية «محظوظة» كما يشيع لدى البيضاويين. وفرت الأسرة، عن نية صادقة، وسيلة تؤمن للابن المعاق التنقل بحرية، وكانت الوسيلة من الطراز الرفيع، دراجة نارية رباعية الدفع «كواد»، لم يوظف )ه.ز.( الوسيلة الجديدة في التنقل فقط، بل كانت أحسن بكثير من السرقة «التقليدية» التي تجبره على إطلاق رجليه للريح وهو ما يمكن أن يعرضه للخطر، أما الدراجة الجديدة فكانت أكثر أمانا، وأصبح دور (ه.ز.) يقتصر فقط على الانطلاق بالدراجة بسرعة كبيرة للإفلات من قبضة الضحايا والشرطة أيضا عقب تعاقده مع شخص آخر يتكلف بخطف المسروقات الذي يكون قد عاد وفي يده شيء ثمين. كان من الغريب أن يوجد شاب ك (ه.ز.) في وسامته ووضعه الاجتماعي المتميز ينحو في هذا الاتجاه، بل لم يكن يثير شك أحد ممن يعرفونه ولا حتى ضحاياه، وربما كانت هذه النقطة تصب في صالحه، استمر الشاب في تحقيق «النجاحات» تلو الأخرى، إلى أن ذاع صيت الدراجة رباعية الدفع التي تجوب باستمرار شارع آنفا و2 مارس، والتي يمتطيها شابان ينشطان في السرقة بالخطف أو تحت التهديد بالسلاح الأبيض، وتم إبلاغ الشرطة بذلك. كان الأمر غير عادي بالنسبة إلى الجهاز الأمني فمن الغرابة أن تجوب دراجة من هذا النوع الشوارع لأن مكانها الطبيعي هو الشاطئ أو الغابة. كانت نية (ه.ز.) في ذلك اليوم القيام بجولة عادية، ولم تكن لديه رغبة في السرقة، ودليل ذلك أنه كان بمفرده عندما تم إلقاء القبض عليه من طرف فرقة الصقور التابعة للشرطة السياحية التي حاصرته وهو يقطع بدراجته شارع 2 مارس. كانت مفاجأة الصقور أكبر عندما حاولوا إنزاله من على الدراجة حيث صرح لهم بأنه معاق حركيا بسبب إصابته بشلل تام برجليه. وعلم في ما بعد أن الموقوف له سوابق عدلية في السرقة، ومبحوث عنه بموجب برقيتين مديريتين من قبل شرطة آنفا وشرطة الحي الحسني، وفور التحاق بعض الضحايا بمكتب رئيس فرقة الصقور تعرفوا بسهولة على الموقوف الذي تم تقديمه إلى فرقة الشرطة القضائية التي أحالته على النيابة العامة بتاريخ فاتح أكتوبر الجاري.