في زمن ما، وفي لحظة يأس مِمَّا هو كائن ومِمّا سيكون، حيث يحرك الظالمون من وراء الستار خيوط الحالة التي يعيشها شعب أعزل بلا حقوق، يدفعون في اتجاه أن تعم الفوضى، فيطلبون منك الاختيار بين الظلم والفوضى لأنه لا يمكنك وليس من حقك أن تختار بين الظلم والعدل، وْهُوماَ كَيْدَفْعُوكْ تختار الظلم لأنه أحسن من الفوضى وهو أهون الشرور، بالنسبة إليهم، وسيعمل أصحاب المُحال على تحقيق نصيب من الظلم لكل مواطن بكل عدل ومساواة. وفي هذا الزمن تخير بعض الأنظمة شعوبها (الله يجازيها!) بين التسلط الظالم المصبوغ بِلَون مؤسسات وهمية وبين التسلط «المؤسساتي» الذي ينفرد بالحكم باسم الديمقراطية. لم يأت حُكَّام بعد شعوب هذا الزمان بجديد. إنهم أبناء «ميكافِيللّي» ومريدوه، فصاحب كتاب «الأمير» عبّد أمامهم طريق الظلم حين نبههم إلى أن الممارسات الشريرة تؤدي إلى اكتساب السلطة مخاطبا إياهم بالقول: «إنكم إذا أردتم اكتساب السلطة والتحكم في رقاب عباد الله فعليكم أن تكونوا قُسَاة بلا شفقة ولا رحمة، دون إِيلاَءِ أي اعتبار لجدلية الخير والشر. لاَ يَهُمُّ أن تكون معتقداتكم صحيحة أو باطلة، المهم أن تكون تلك المعتقدات هي الضمانة ل«تَمَاسُك» أكبر للدولة». لا ينْصح «الأمير» تلامذته بالاختيار بين الخير والشرّ، بل يرى في الشّرور وحدها الضَّامن لاستمرار أنظمة التسلط وَالزِّيَّار. تَبْعُو مْعايا مزيان، إِيلاَ استحضرنا جيّداٌ هذه الأطروحات فإننا نصطدم بجدار من الأباطيل التي تُحَاوِل إيهام الشعوب بأن كل القيّم التي تسقي شرايينها وتَمُدُّها برحيق الحياة والأمل مجرد أضغاث أحلام، سواء تعلق الأمر بقيم الحرية أو العدل والإنصاف. فحين تدعو هذه الشعوب إلى بسط أجنحة الحرية على كل الضّفاف يمارس الآخرون حرية قمعنها، وحين تطالب بإقرار فضيلة العدل والعدالة يقولون لها : هذه «العادة»، لاَ.. ممنوع. وينوبون عنها «بَزَّزْ مَنَّها» في احتكار السلطة والحرية والمال ويقامرون بثروات وأرزاق الأمة، عملا بحكمة التسلط القائلة إن من قامر بأموال غيره لن يخسر أبداًٌ، وفي كلِّ الحالات. وَكَيْ لا نظلم الظالمين، فلا بُدَّ لنا من أن نعترف بأن للتسلط أيضا قواعد وميكانيزمات مادام الأمر يتعلق بمسرحية عملاقة تقتضي وحدة المكان والزمان، (حيث لا مكان ولا زمان). لكنها، عكس ما تقوله قواعد أرسطو، لا تهدف إلى تطهير النفوس من الشوائب، بل تعمل على «تطهير» الناس من حقوقهم وكرامتهم و»تطهير» الشعوب من ثرواتها. للتسلط أيضا برلمانه وغُرفه التي يَتِمُّ تمويلها بأموال الشعب وباسمه، واخّا ماشي فخبارو. للتسلط «الديمقراطي» أيضا إعلامه وتلفزاته التي احتلتها السلطة وتخوصصها رغم كونها مِلْكاً عموميا يستنزف ضرائب البسطاء، والنتيجة معروفة: الإفلاس المبين لهذا الإعلام المتسلط الذي سخط عليه وعلى تلفزاته ينسى صانعو الأوهام والعاهات وتجار الأزمات أن الأرحام التي تضجُّ بالحياة قادرة دوما على أن تخْصِب أرض الشعوب بسماد الأمل الناصع والأكيد والعزيمة التي لا تلين من أجل تجفيف منابع اليأس بعد أن يتحقق حلم تجفيف منابع التسلط.