تقديم: قال خالق الإنسان والخبير بأحواله: "إنَّ اللهَ لا يغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم"، حتى تفيد -مما تفيد- التدرج في التغيير، والتغيير يبدأ من الأنفس لينجلي في الآفاق، وها الأمة قد أعياها الترقيع بالصبر على حكام الجبر والعض زمنا طويلا، أفلا تفكر فيما بعد ذلك؟ ألا تطرح سؤال التغيير على الأقل لإنقاذ الأجيال القادمة من ظلم القرون؟ أفلا تفكر في التي هي أحسن، وبالتي هي أحسن؟ ألا يمكن أن نكون أحسن؟ لِم لا نتشوف لما بعد المخزن؟ لِم لا نفكر ونعمل في الحل التشاركي البنائي الكُلي، الذي يستوعب الجميع ويستثمر طاقات الجميع؟ وتجنبا لكل المزالق المحتملة وجب التفكير بمنطق التدرج، بل بشريعة التدرج لفقه الوضع الذي نعيشه ومعالجة المرحلة الانتقالية -التي سندخل فيها عن قريب إن شاء الله- بحرية وحزم ومسؤولية، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان: "من يريد أن يغير العالَم في لحظة... فإنما هو حالم أو مجنون" [1[ في الإمكان أن نصير أفضل وأرقى وأنقى مما كان، ولا يوجد المستحيل إلا في قاموس الجبناء، الذين يتهربون من شروط تغييرية ثلاث: -1شرط الإرادة: صيحة في واد ونفخ في رماد إن لم تنضج إرادة حقيقية للتغيير لها الاستعداد الكامل للقطع مع ماضي الاستبداد والبهلوانية السياسية، والتأسيس المتدرج لحياة مجتمعية راشدة على أرضية وطنية مشتركة صلبة يقف عليها المغرب وتمكنه من الاستفادة من كل طاقاته وإمكاناته. وفي الأمة ولله الحمد –ما تزال- السواعد الطاهرة التي تحاول أن تصنع بيئة ملائمة للبناء، والفسائل الطيبة التي لم تجد بعد تربة صالحة تنزرع فيها. "فالإرادة السياسية -المفتاح المرجو لحل أزمتنا- هي أساسا فعل أخلاقي بأعلى معاني الأخلاق وأسماها في العمل والممارسة والواقع". -2شرط الحوار: لا يرفض الحوار إلا من كان ظالما مستكبرا أو ضعيفا خائفا، أما القوي فلا يرى مندوحة عن حوار وطني جدي وواسع بين كل الأطراف الغيورة والشريفة –أفرادا ومؤسسات- دون استثناء لأحد، ومن غير منَّةٍ من أي طرف، حول الشكل والأسلوب الذي يقترحونه لنظام الحكم ولمؤسسات الدولة وكل ما يتعلق بالتوجهات الكبرى لبناء وحدة البلاد ورخاء العباد، حوارا واضحا ومسئولا يُنقل عبر وسائل الإعلام الوطنية ليَعلم الشعب كل الأمور التي تُهِمُّ قضاياه الحقيقية ويكون على علم بما يجري ويتحمل مسؤوليته كاملة، وليقوم بواجبه بوضوح ومسؤولية. ولا يصح الالتفاف عن الحوار بمبررات أعيت قائلها وسامعها. -3شرط الميثاق: لا بديل عن صياغة ميثاق وطني علني في حضن الأمة، يجمع شتاتها ويؤلف بين أطرافها، وليس ميثاقا نخبويا أو مخزنيا يصنع في الزوايا المُظلمة التي تمارس الوصاية على شعب تَعتبره قاصرا. وبعد الميثاق تُنتخب جمعية تأسيسية مصادق عليها من طرف الشعب لصياغة مشروع الدستور الوطني المنشود، والعودة به إلى الشعب من جديد ليقول كلمته. من هنا الطريق إلى وضع دستور وطني تاريخي، من الأمة وإلى الأمة، بلا طبخ ولا "كولسة" ولا إقصاء ولا استيراد. لأن "الدستور يجب أن يمثل آراء الشعب وأن يتم تحريره من طرف منتخبين ينتخبهم الشعب ولا يأتي من فوق وكأنه هدية إلى الشعب". [2[ وأخيرا فالمسؤولية في البناء والنهوض ليست حُلما أو نهزة أو نزهة، وليس في مقدور أي طرف أن يتحملها بمفرده، وإنما هي أمانة جماعية. اللهم هذا إدبار ليل الظالمين المفسدين وإقبال نهار الصالحين المصلحين فاغفر لنا واستعملنا فيما يرضيك عنا ويعز هذه الأمة. آمين والحمد لله رب العالمين. ----------------------------- [1] - عبد السلام ياسين، "سنة الله"، ص21 [2] - المهدي المنجرة، "قيمة القيم" ، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، البيضاء 2006، ص 297