في كل يوم، يمر أزيد من 30 ألف شخص، أغلبهم من النساء، من النقطة الحدودية تاراخال، التي تفصل المغرب عن مدينة سبتة، من أجل جلب أطنان من البضائع وإعادة توزيعها داخل التراب المغربي. من بين الثلاثين ألفا من هؤلاء، يدخل 95 في المائة المدينة من أجل سلع غذائية أو إلكترونية وإعادة بيعها في عدد من المدن المغربية، خصوصا مدن الشمال، أما النسبة المتبقية فهي لأشخاص لهم «مهام» مختلفة. أصحاب المهام المختلفة في نقطة تاراخال هم خليط من مهربي الحشيش وتجار الكوكايين ومهربي العملة. وبالإضافة إلى هؤلاء، هناك شريحة أخرى من المهربين لا ينتبه إليهم أحد، وهم مهربو الحيوانات النادرة التي يتم صيدها في المغرب لتجد مأواها في بيوت إسبانية أو في حدائق حيوانات في مختلف مناطق شبه الجزيرة الإيبيرية. وحسب إحصائيات إسبانية، فإن الحشيش يأتي في المرتبة الثانية بعد تهريب المواد الغذائية والإلكترونية عبر نقطة تاراخال، حيث ينشط تجار المخدرات الذين يختلطون مع الآلاف من المهربين الصغار ويحملون إلى المدينة كميات من الحشيش يوميا. وإذا كانت تجارة الحشيش ما بين المغرب وإسبانيا شيئا معتادا، فإن الظاهرة المقلقة ما بين المغرب وسبتة هو كثرة مهربي الكوكايين والهيروين، الذين يعبرون هذه المدينة كل يوم ويأتون منها بكميات كبيرة من المخدرات الصلبة، التي يتم توزيعها على مناطق مختلفة من المغرب. وحسب مصادر طبية مغربية، فإن سبتة تعتبر المزود الأساسي للمغرب بالهيروين، المخدر الصلب الرخيص الذي يقبل عليه أشخاص أدمنوا في البداية مخدر الكوكايين، غير أنهم تحولوا إلى الهيروين بسبب رخص ثمنه. وتصدر سبتة نحو المغرب كميات مهمة من مخدر الهيروين والكوكايين، وهي في ذلك تتساوى تقريبا مع الحدود الشرقية للمغرب، حيث يسرب المهربون كميات مهمة من هذا المخدر نحو المغرب انطلاقا من الجزائر. وعادة ما يلجأ المهربون إلى استعمال وسائل يصعب كشفها مثل إخفاء المخدرات القوية بين أكوام المواد الغذائية، أو وضعها في حفاظات رضّع، وأحيانا في عربات يركبها أطفال، وهو ما يجعل القضاء على هذه التجارة شبه مستحيل، بالإضافة طبعا إلى ظاهرة الرشوة التي تحولت إلى عرف قائم في هذه النقطة الحدودية، التي يمكن اعتبارها واحدة من النقاط الحدودية الأكثر ارتشاء في العالم. تهريب المخدرات عبر بوابة سبتة ارتفع بشكل كبير خلال المدة الأخيرة بعد استفحال الأزمة المالية العالمية. وبالإضافة إلى مغاربة يمارسون تهريب المخدرات، فإن إسبانا كثيرين حاولوا التغلب على الأزمة بعد فقدانهم مناصب عملهم فتحولوا إلى مهربين موسميين. وخلال الأيام القليلة الماضية، قبضت مصالح الأمن والجمارك في سبتة على عدد متقارب من المغاربة والإسبان ممن كانوا يحاولون تهريب مخدرات عبر ميناء المدينة بعد أن اجتازوا نقطة تاراخال بسلام. وتشير مختلف الأرقام التي يتم الكشف عنها إلى أن الإسبان صاروا ينشطون في هذا المجال على قدم المساواة مع المغاربة، وهو ما أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية، وأصبح كل «سائح» إسباني يتوجه نحو المغرب، مشكوكا في أمره خلال عودته إلى بلاده. غير أن التجارة الأكثر غرابة ما بين المغرب وإسبانيا عبر بوابة سبتة الحدودية هي تجارة الحيوانات، وهي تجارة نادرا ما يلتفت إليها الإعلام المغربي أو الإسباني. وعلى الرغم من أن هذه التجارة تراجعت بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين، حيث انخفض رقم معاملاتها إلى أزيد من 70 في المائة، إلا أنه لا يزال هناك مغاربة كثيرون يصدرون حيوانات مغربية نحو إسبانيا بأثمان غالبا ما تكون زهيدة. ويفضل مهربو الحيوانات المرور عبر هذه النقطة الحدودية نظرا لهشاشتها الأمنية واستفحال الفساد، ومنها تنطلق بضاعتهم نحو إسبانيا ونحو باقي بلدان الاتحاد الأوروبي. وتشير الأرقام التي كشفت عنها مصالح الحرس المدني الإسباني إلى أن 100 عملية تهريب حيوانات تتم سنويا عبر هذه النقطة الحدودية، غير أن هذه النسبة انخفضت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وحسب معطيات أوردتها جمعيات مهتمة بحماية الحيوانات على حافة الانقراض، فإن تجار الحيوانات يهربون في الغالب زواحف وحربائيات بمختلف أجناسها من المغرب نحو إسبانيا، وعادة ما تكون هذه الحربائيات مهددة بالانقراض، ويزيد صيدها وتصديرها الأمر استفحالا، بحيث أصبح المغرب مهددا بفقدان آخر فصائله الحيوانية النادرة بعد أن فقد فصائل كثيرة في العقود والسنوات السابقة. وبالإضافة إلى الحربائيات والزواحف، فإن هناك حيوانات مغربية أخرى تعبر بوابة سبتة، من بينها السلاحف والطيور والقنافذ، وهناك أيضا القرود المعروفة باسم قرود الأطلس، وهذه الحيوانات الكبيرة يحتاج مرورها إلى رشوة بحجم أكبر. هكذا لم يعد الحشيش والكوكايين والهيروين والسلع الغذائية وحدها التي تغذي فيروس الفساد في باب سبتة.. إنها الحيوانات أيضا.