أتابع منذ أيام، ببالغ الحزن والأسى، شأن الكثير من المغاربة، حوار السيدة عائشة الخطابي، ابنة البطل الرمز محمد بنعبد الكريم الخطابي، على صفحات جريدة «المساء».. ومبعث هذا الأسف هو ما ينطوي عليه الحوار المتواصل نشره على حلقات من مغالطات وأمور غير صحيحة ترقى أحيانا إلى مستوى الأراجيف والاختلاق. وإذا كان من حق السيدة الخطابي ألا يروق لها من تشاء من المناضلين والزعماء، فإنه، بكل تأكيد، لا يحق لها إسقاط انطباعاتها على والدها وعلاقاته بهؤلاء الزعماء، لا لشيء إلا لأنها ابنته.. كما أنه ليس من حقها ادعاء أشياء غير صحيحة تقلب الحقائق وتحرف الوقائع لما يترتب عن ذلك من لبس لدى كل معني بكتابة التاريخ الراهن، وهو أمر طالما عانت منه (وما تزال) تجربة الزعيم الراحل وبالتالي تاريخ المغرب، سواء في مرحلة ثورة الريف خلال عشرينيات القرن الماضي أو في مرحلة لجنة ومكتب تحرير المغرب العربي في أربعينياته أو في مرحلة بناء وتعثر دولة الاستقلال حتى وفاته رحمه الله. ولأن الحيز لا يتسع لتفصيل عدد من النقط التي تتطلب التوضيح، فإنني أكتفي هنا بقضية «مؤسسة محمد بن عبد الكريم الخطابي» التي تابعت تفاصيلها عن قرب، بحكم علاقتي بالفقيدين الدكتور عمر الخطابي وقائد المقاومة محمد الفقيه البصري.. تقول السيدة عائشة الخطابي في الحلقة 8 «عدد الاثنين 31 غشت»: «من غير اللائق أن يتخذ ابن عم الأمير خطوة تأسيس مؤسسة تحمل اسم محمد بن عبد الكريم الخطابي دون استشارة أبنائه»؛ وتضيف، لكي تبرر تواطؤها لمنع المؤسسة: «فالراحل عمر الخطابي، الذي كنت أعتبره أخا وصديقا قبل أن يكون ابن عم، لم يكلف نفسه عناء إخبارنا بطبيعة المؤسسة والأعضاء المكونين لها أو، على الأقل، أن يستشيرنا في أمر إحداثها..»؛ وهذا هو الأمر الذي بنت عليه السيدة عائشة الخطابي تفسيرها الذي قالت فيه ما يلي: «.. وقد اتصلنا في ذلك الوقت بالسيد المنصوري بنعلي (الوزير السابق ومستشار الملك ورئيس جمعية البحر الأبيض المتوسط) وأبلغناه أن عائلة الخطابي لا توافق على تلك المؤسسة، وأنه من اللازم إيقافها، وهو ما حدث بالفعل...». هذا وككل «طيب» لم يألف الكذب، سرعان ما تفضح السيدة الخطابي نفسها، عند انتهائها من هذه النقطة، بقولها: «حيث قمنا بإنشاء مؤسسة أخرى تحمل اسمه، لكن مع الأسف كان مصيرها الفشل...». ودون الدخول في تفاصيل من اتصل بمن؛ هل السيد المنصوري بنعلي هو الذي اتصل بأبناء ابن عبد الكريم الخطابي أم العكس كما ادعت السيدة عائشة، نرجع إلى تبرير الاستشارة، وهنا أقول، وبالٌقطع، إن نقاشا قبل اتصال السيد المنصوري بنعلي تم مع المرحوم سعيد الخطابي الذي حسم، خلال وجبة غداء دعا إليها هو نفسه بأحد مطاعم الدارالبيضاء، بقوله: «... وفقكم الله في هذا، أما بالنسبة إلى عضويتي، فيصعب علي أن أدخل معكم منذ التأسيس، ولكنني سألتحق «بَعْدينْ»...». هذا ما تم مع المرحوم سعيد الخطابي، شقيق عائشة الخطابي وعميد العائلة، وبين المرحوم الفقيه البصري بحضور شخصيتين ريفيتين محترمتين هما المناضلان أحمد المرابط، أحد أصدقاء الزعيم بنعبد الكريم، وسليمان المرابط، رئيس مركز عبد الكريم الخطابي بإسبانيا، وكلاهما لا يزالان على قيد الحياة. أكتفي في هذه الورقة بهذا التوضيح وأرجو ألا أضطر إلى مزيد من التفاصيل التي وراء سلوك محزن (وممن؟!) بلغ حد تقديم الزعيم التاريخي ورمزيته الأممية، باعتباره مرجعا عالميا في حرب التحرير الشعبية، كمجرد موظف بسيط يتلقى المعاشات، تصرف له حينا وتقطع تأديبا له أحيانا أخرى!! وآخر دعوانا ألا حول ولا قوة إلا بالله.