تغنى العرب بكل شيء في قصائدهم، فما تركوا لمن جاؤوا بعدهم مقالة لم يطرقوها، حتى شهر رمضان قالوا فيه أشياء كثيرة، وتسلوا بالصيام وهجوا أنفسهم. كان ذلك عندما كان الصيام مشقة حقيقية لا وقفة سريعة بين وجبتين، كما هو الحال اليوم، خاصة في المدن، وأيام كان اليوم يبدأ من صلاة الصبح ويستمر إلى مغيب الشمس. ومن طرائف رمضان ما نقله ابن رشيق القيرواني في أحد كتبه، أن أعرابيا تسلل وسط عدد من الشعراء أثناء وفاة الخليفة العباسي المهدي، فلم يتعرف عليه أحد من الحضور، وأراد بعضهم اختباره فطلب منه الشعراء ارتجال بيت من الشعر بالمناسبة، فقال الأعرابي «مات الخليفة أيها الثقلان»، فعجب الشعراء من رجل ينعي وفاة المهدي إلى الإنس والجن في شطر بيت شعري واحد، وانتظروا أن يكمل الشطر الثاني لكنه عجز، فلما طلبوا منها إكمال البيت قال مرتجلا: «فكأنني أفطرت في رمضان»، فضحكوا منه وأخرجوه من المجلس. وللشاعر العباسي ابن الرومي، المعروف بكثرة هجائه للجميع، حتى لنفسه، أبيات جميلة في شهر رمضان. فقد باغته الصيام في الشهر الفضيل الذي تزامن مع شهر غشت، القائظ في الجزيرة العربية، فقال رافعا عقيرته بالشكوى: شهرالصيام مبارك ما لم يكن في شهر آب الليل فيه ساعة ونهاره يوم الحساب خفت العذاب فصمته فوقعت في نفس العذاب. أما الأخطل، فقد قال ضاحكا على سبيل الفكاهة: ولست بصائم رمضان طوعا ولست بآكل لحم الأضاحي ولست بزاجر عنساً بكورا إلى بطحاء مكة للنجاح ولست مناديا أبدا بليل كمثل العير: حي على الفلاح ولكني سأشربها شمولا وأسجد عند منبلج الصباح... ولم يجد البحتري، أحد أعمدة الشعر العربي في العصر العباسي أيضا، ما يمازح به الحسن بن وهب سوى شهر رمضان، فقال: يا أخا الحارث بن كعب بن عمرو أشهورا نصوم أم أياما طال هذا الشهر المبارك حتى قد خشينا بأن يكون لزاما... أما أبو نواس، شاعر المجون الشهير الذي يقول العديد من المؤرخين إن الكثير مما نسب إليه كان بغرض التحايل على الرقابة، فقد قال: واشرب الراح ودعني من صلاة كل يوم وإذا ما حان وقت لصلاة أو لصوم فارفع الصوم بشرب وامزج الخمر بنوم. ولم يخرج أحمد شوقي، أمير شعراء العربية في القرن العشرين، عن هذا المنوال، حين قال ضاحكا أو قاصدا بعد نهاية شهر الصيام والكف عن المحرمات: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق بالأمس قد كنا سجيني طاعة واليوم من العيد بالإطلاق. وعندما ناجى محمد بن ابراهيم، شاعر الحمراء، الفأر الشهير الذي زاره في بيته، وجد أفضل صورة لتصوير فقره هي صورة رمضان، فقال على لسان الفأر: قال لي والقول منه مثل سهم قد رماني كل ما قلته حق وغني عن بيان ما الذي أفعل في أركان بيت رمضاني.