هي ذكريات من الزمن الجميل الذي احتضن فيه درب السلطان أبناءه المشاهير، عشاق الكرة ( الأب جيكو، بيتشو، الظلمي، الحداوي، اسحيتة، بتي عمر، الحمراوي...) وهي الذكريات التي أهدى فيها هذا الحي الشعبي الفقير أجمل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي أبدعها في زمن بيضاوي جميل أبناء من تاريخ عصفور، ثريا جبران، عبد العظيم الشناوي، محمد التسولي، عبد القادر مطاع، سعاد صابر، مصطفى الزعري،الحاجة الحمداوية، مصطفى الداسوكين، عبد القادر وعبد الرزاق البدوي، عبد اللطيف هلال، مصطفى التومي، عائد موهوب، أحمد الصعري، الشعيبية العضراوي... هو درب السلطان الحي الذي احتضن طفولة عبد اللطيف السملالي وسعيد السعدي الوزير السابق للأسرة والتضامن...، ومنح للتاريخ مناضلين يشهد شارع الفداء الشهير على تضحياتهم. من يسأل عن الرجاء البيضاوي فهو بالتأكيد في درب السلطان، ومن يتذكر الأب جيكو، يتذكر اللحظة التي برز اسم كروي في هذا الحي الفقير ليصنع من فريق هواة بهذا الحي المنسي الفريق الأول بالنسبة إلى البعض في سنوات التسعينيات وبداية الألفية الثالثة. ويتذكر سحر الكرة الرجاوية في السبعينيات والثمانينيات من زمن بيتشو، بتي عمر، السوادي، الحمراوي وبكار.. ويتذكرون الفتى الرجاوي المدلل الذي حلق في دنيا الكرة الفرنسية لعدة سنوات: مصطفى الحداوي. «عشت بين قيسارية الحفاري ودرب الشرفاء الشهير الذي التحقت به وأنا لم أتجاوز السنة. بين هذه الأحياء عاش الحداوي الطفولة، طفولة تعلقت فيها بطريقة لعب أسماء لاعبين كبار، وأستحضر الآن ذكريات العديد من اللاعبين الذي تابعتهم في ملاعب»الحرث» قرب إعدادية الجاحظ وملعب الفداء والشيلي والأرميطاج الذي لعب فيه الظلمي، بكار، جواد الأندلسي، هيرس... في هذه الملاعب كنت أقلد اللاعب الكبير أحمد فرس في تعامله مع الكرة»، يقول في مرحلة تذكره لطفولة درب السلطان. وعن أجواء الديربي في درب السلطان، يقول مصطفى الحداوي: «يجب أن تعلم أنه قبل الديربي بأسبوع نعيش أجواء خاصة، وبعد المقابلة يظل الحديث عن النتيجة. منذ صغري كنت أتابع فريق الرجاء بفكرة ضرورة عدم الانهزام أمام الوداد البيضاوي، وفكرة عدم الانهزام لقنها لنا المدرسون في الأقسام الصغرى، وظلت تراودني. ولحسن حظي أن المواسم التي قضيتها في الرجاء ما بين سنتي 1979 و1985 لم ننهزم أمام الوداد، مع التذكير بأنه خلال هذه المقابلة يكون الضغط كبيرا علينا، هذا الضغط كان طبيعيا أن يظهر في حي درب السلطان الذي يعتبر جمهوره القلب النابض للرجاء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اللاعبين الذين كانوا يقطنون في الحي يحتجبون عن الأنظار لمدة أسبوع (تيغبرو سيمانا من الدرب) أو أكثر بعد الهزيمة، لأن الجمهور كان يعشق الرجاء بشكل جنوني، وكنت محظوظا بالنسبة إلى مقابلات الوداد والرجاء، في حين أنه حينما نفوز بمقابلة حاسمة، يصبح الحي بمثابة مهرجان للاحتفالات بين زغاريد النساء وفرحة الرجال بالدقة المراكشية وعلى إيقاع الدربوكة. كان الانتصار يهيج جمهور درب السلطان والجمهور البيضاوي لتفريغ أحاسيسه ونسيان ثقل ووطأة الحياة اليومية الروتينية. ولكن هذه الأجواء لم تكن لتنسيني بعض التخوفات التي كانت تنتابني في بعض الأحيان» تخوفات يحكي عنها النجم الرجاوي مصطفى الحداوي: «من الأشياء التي أتذكرها أنه في مقابلة مصيرية أمام الكوت ديفوار كلفت بضربة جزاء بعد تحفظ بودربالة وأمان الله، إلا أنني ضيعتها، والجميل أن الجمهور الذي قدر ب بألف متفرج لم يحتج علي، وكلما زادت الدقائق إلا وانتابني الإحساس بأننا سنقصى، وتخيلت وخفت أن يحتج الجمهور في بيتي وبدأت مخاوفي على عائلتي تزداد. من جهة أخرى كانت هناك شكوك حول لجوء لاعبي ساحل العاج إلى ممارسات الشعوذة، وهذا ما زاد من تخوفي، لكن بعدما أزيلت أشياء خلف حارس المرمى الشهير ألان كواميني، جاء الفرج بقذفة شهيرة من اللاعب مصطفى البياز في الوقت الإضافي وتأهلنا، وارتحت من جهة عائلتي التي ستحتفل رفقة الجمهور في درب السلطان دون مشاكل». «من ذكريات هذا الحي الذي غادرته سنة 1983 بعد ألعاب البحر الأبيض المتوسط أنني لا أتردد في زيارته مرة في الأسبوع، هنا أشير إلى أنني حضرت مهرجان الزواج الذي نظمه سعيد الناصري، كما أشتغل في الإطار الجمعوي لهذا الحي إلى جانب الأحياء البيضاوية الأخرى، ومن الذكريات التي لا أنساها المؤطر «المرحوم» الذي يستحق كل الاحترام والتقدير. كان أحيانا يقتسم معنا أجرته الشهرية من خلال أدائه لنا مبلغ تذكرة الحافلة والسندويش (كان تيعطينا باش نشريو الطون حدا الملعب)، كما لا أنسى دور البودلاي الذي كان يشتغل بحب وساهم بشكل كبير في إظهار العديد من المواهب من بينهم صلاح الدين بصير. في مساري الاحترافي أتذكر اتصالا من الملك الراحل بعد نهاية مقابلتنا ضد ألمانيا في الدور الثاني من كأس العالم سنة 1986 ليهنئني على أدائي في هذه المقابلة. ومن اللحظات الجميلة مشاركتي مع المنتخب في ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1983 التي فزت فيه بلقب أحسن لاعب وهداف، كما شاركت في ألعاب إفريقيا سنة 1984، وتأهلت رفقة المنتخب سنة 1986 و1988 إلى نصف نهائي كأس إفريقيا، هذا فضلا عن مشاركتي في كأس العالم لسنة 1994 ». هو مسار ابن درب السلطان الذي خاض 90 مقابلة دولية وعانق أجواء العديد من الفرق السويسرية، الفرنسية والعربية، من بينها: لوزان، سانت إيتيان، أونجي، جون دارك، نادي التسويق، نيس، لانس...