بين أجور الأمس واليوم، انتقل بعض مشاهير الفن والتلفزيون من حياة فقر الأحياء الشعبية إلى مراتب الغنى والقرب من أصحاب القرار، وانتقلت عشرات الدراهم التي كانت شاهدة على أجور الأمس إلى مئات الملايين، وتبدلت الحال بحال أفضل منه بكثير. بين أجور الأمس واليوم، رحل عن عالمنا مبدعون حقيقيون، دون أن يجدوا من يقدم لهم السند في لحظات الاحتضار والألم والفاقة، في غياب التغطية الصحية والتقاعد. رحل هؤلاء فقراء إلا من إبداعهم الذي لم يشفع لهم في استحقاق الملايين أو أخذ المكانة التي احتلها بدلهم آخرون دون مسوغ إبداعي أو إنساني أمام أعين النقابيين والمسؤولين عن القطاع. بين أجور الأمس واليوم، ظل الفنان المغربي رهين جشع بعض المنتجين وإصرار «السماسرة» على مشاركته اللقمة التي تبدو في بعض الأحيان عصية المنال، وسط مجال ضيق يخضع للمساومة والإغراءات المادية والجسدية التي تسيء في بعض الأحيان إلى الواقع الفني. يصنف متعهدو الحفلات أجور فناني الأغنية الشعبية ضمن القائمة الأولى تبعا لعدة اعتبارات من بينها ازدياد الطلب عليهم في سهرات الجالية المغربية ورهان المهرجانات على هذا اللون الإيقاعي، ويتنافس ويجتهد هؤلاء الفنانون- تبعا لذلك- في المحافظة على مرتبة متقدمة في قيمة الأجور التي تختلف وتختلف معها قيمة الغرامة التي تكون في غالب الأحيان حاسمة في الترتيب، لاسيما إذا تعلق الأمر بالسهرات الخاصة التي يرتفع معها الأجر. اعتابو الأعلى أجرا نجاة اعتابو، المغنية الأمازيغية التي ترعرعت في الخميسات، قبل أن تقرر أن تصنع لنفسها مسار فنيا خاصا مكنها من فرض ذاتها، فصارت أغاني«شوفي غيرو» و«هادي كدبة باينة» و«جوني مار» الأغاني الشعبية الأكثر ترديدا، مما خولها الوقوف في أشهر المسارح الأوربية والأمريكية، من بينها مسرح الأولمبيا وزينيت بفرنسا. سفر فني طويل مكنها من التربع على قائمة الأجور بمبلغ يتراوح ما بين 12 و20 ألف أورو في السهرة. الدوادي.. عندليب الشعبي يلقبه محبوه بعندليب الأغنية الشعبية، هو عبد الله الداودي الذي انتقل- في ظرف زمني قياسي- إلى لائحة الفنانين الشعبيين الذين حققوا إيرادات مهمة، لاسيما بعد إطلاق ألبومه الأول الذي تضمن أغنية «عيطة داودية» التي منحته تأشيرة الشهرة والتألق في الأغنية الشعبية، إلا أن مقربين من الداودي يؤكدون أن الفنان الذي تتلمذ على يد مصطفى بوركون، نجم الأغنية الشعبية في أواسط الثمانينيات بلغ أعلى الإيرادات في أغاني «يوم ما يشبه يوم» و«مازلت صغيرة وبلاك الحب». شهرة كان طبيعيا أن تنعكس -حسب ما أسر مصدر مقرب من الداودي- على أجره، فالداودي يشتغل في الأعراس بأجر يتراوح ما بين 40 و50 ألف درهم، في حين يحيي السهرات الكبرى خارج المغرب بأجر يتراوح ما بين 7 و10 ملايين سنتيم. بوركون باع أكثر من 500 ألف أسطوانة «شحال تسنيتك ما جيتي»، و«أنت يا بويا عمر»، «الدنيا غدارة».. هي أغان حفظها عشاق الأغنية الشعبية في بداية الثمانينيات بتوقيع مجموعة بوركون التي استطاعت أن تحقق نسبة مهمة من المبيعات وصلت إلى ما يفوق 600 ألف نسخة، وهو رقم لم يحقق إلى حد الساعة، ليقرر مصطفى بوركون أن يرسم لنفسه مسارا خاصا من خلال تأسيس فرقته الخاصة أواسط التسعينيات وإطلاق ألبومه الجديد «الطيارة دارتها بيا» الذي بيعت منه 500 ألف نسخة، شهرة جعلت من بوركون ضيفا في العديد من التظاهرات الوطنية بأجر يصل إلى ما بين 3 و5 آلاف أورو للسهرة الواحدة. خالد بناني «الكاشي ديالي معروف» برز المغني خالد بناني في أواسط الثمانينيات. يصنفه محبوه في خانة الأغنية الشعبية العصرية، يلقب في الساحة الفنية بصاحب الصوت الذهبي، كان ألبومه الأول الذي أطلقه في الثمانينيات من القرن الماضي بوابته الحقيقية نحو الشهرة، يعرفه الجمهور من خلال أغاني «لغرام مناعو صعيب» و»مازال مانسيت الكلسة في فاس» و«أنا دين الله»، سافرنا لمدينة فاس». يحرص خالد بناني على الظهور في التلفزيون المغربي بأجر يختلف عن الأجر الذي يتقاضاه في السهرات الفنية للحفاظ على تواصله مع الجمهور. عن قيمة أجره، يؤكد بناني في تصريح ل»المساء»: «فْالأعراس اللي عندو كايخلص على اللي ما عندوش، كنخدمو على حساب لقدر ديال كل واحد، وفي الحفلات الكبرى الكاشي ديالي معروف»، في الوقت الذي يؤكد مصدر مقرب منه أن السهرات التي يحييها في أوربا والولايات المتحدةالأمريكية لا تقل عن 15 ألف أورو. «فايف سطارز»... «الدراري» ديال نايضة يصفونهم في الوسط الفني ب«أساتذة الطرب الشعبي»، باعتبارهم الفرقة التي عزفت مع معظم المطربين الشعبيين المتواجدين في الساحة الفنية: سعيد الصنهاجي، الداودي، الستاتي، نجاة اعتابو... فبعد أن كانت الفرقة شبه متخصصة في عزف الأغنيات الجديدة للفنانين المذكورين وتسجيلها في الاستوديوهات، قررت بعد ذلك الخروج من الظل إلى الواجهة بتأسيس فرقة «النجوم الخمس». طارق برداد، يونس الكناوي، يوسف اللوزيني، محمد الكناوي، أصدروا أولى ألبوماتهم قبل حوالي خمس سنوات، غير أن شريطهم الصادر خلال السنة الماضية، والذي تضمن أغنيتهم الشهيرة «على زهر أعباد الله» شكل نقطة تحول في مسار الفرقة، التي أصبحت حاضرة أكثر فأكثر في السهرات الكبرى داخل المغرب وفي الخارج. بشحال؟ «كنخدمو بما يتراوح ما بين 20 و40 ألف درهم في الأعراس والحفلات بالمغرب، وبما بين 5 إلى 6 آلاف أورو في السهرات المنظمة بأوربا»، يجيب طارق برداد، «قيتاريست» الفرقة.