هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. ما كان في وسع الفرنسيين أن يقاوموا فرصة الكسب على حساب الإسبانيين الذين كانوا السباقين إلى السخرية من إخفاقهم في مراكش. وكانت هذه الأسلحة الفرنسية أشد فعالية حتى درجة بعيدة من تلك الأسلحة التي استولى أهل الريف عليها من الإسبانيين أنفسهم. وكانت تضم بنادق من طراز شنيدر، ورشاشات هوتشكيس، والمدفع الفرنسي الشهير من عيار 75 مم. ولقد ابتاع عبد الكريم، فضلا عن هذه الأسلحة الفرنسية، كميات قليلة من الأسلحة من المهربين الدوليين الذين كانوا يجلبون بضاعتهم إلى الساحل الريفي على متن مراكب تجارية ويخوت شراعية وإن أحد هؤلاء الانتهازيين، النقيب الإنكليزي غاردنر، قد جلب أسلحة ألمانية من هامبورغ في يخته سيلفيا. ويقول الإداري الفرنسي غبرييلي، الذي سنسمع من أخباره في وقت لاحق، أن غاردنر جلب 16000 بندقية من طراز ليبل من هامبورغ وأنزلها إلى الساحل عام 1924 في مكان ما إلى الغرب من خليج الحسيمة. وبالمقابل فإن أقرباء عبد الكريم يقولون إنه لم يتم تهريب أكثر من 400 بندقية. ويبدو أن غاردنر حسب أنه يتعامل مع شعب بدائي جدا، إذ عرض أن يبيع عبد الكريم آلة لإصدار الأوراق المصرفية لقاء كل ما يملكه الريفيون من نقود حقيقية. كان الجيش الريفي عام 1924 قوة مجهزة بصورة جيدة، شديدة الفاعلية ومنظمة بحيث تخوض حرب المغاوير، وهو التكتيك المجرب الذي أصر عبد الكريم على وجوب الاستمرار فيه. لقد أصدر أوامره بأن على الريفيين أن يستغلوا ميزتهم المخصوصة، ألا وهي قدرتهم على الحركة، ومهارتهم في الرماية، وإمكانيتهم الكبيرة في التخفي التي كانت أراضيهم الجبلية مناسبة لها على أفضل وجه. وأخبر قادته قائلا إنه يجب أن يعاملوا كل جندي ريفي على اعتباره فردا، وأن يوضحوا لجنودهم حقيقة الأمر القائم، وأن يطلعوهم على الوضع على حقيقته، بحيث يفهم الرجال جميعا الاستراتيجية العامة للمعركة. إن القادة يستطيعون بهذه الطريقة أن يحصلوا على أقصى ما يمكن تحصيله من رجالهم الذين لا يبرح الإسبانيون يتفوقون عليهم في العدد كما ذكر عبد الكريم لضباطه. ولقد أكد عبد الكريم أن كل جندي ريفي هو ند لستة إسبانيين، ورفض أية فكرة بشأن التنظيم في كتائب منفصلة، باستثناء ارتداء عمامات مختلفة الألوان لتمييز المشاة الذين يضعون عمامة حمراء، ورجال المدفعية الذين يضعون عمامة سوداء، وحرسه الخاص على الذين يضعون عمامة زرقاء مخضرة. وكان كل جندي يرتدي جلابيته البنية المألوفة المحاكة في بيته، ويحمل طعامه الخاص وذخيرته. ومهما يكن من أمر، فقد قرر عبد الكريم اتخاذ راية ريفية، وهي علم أحمر قان طرزت عليه نجمة بيضاء وهلال أخضر. وكان هذا العلم يخفق فوق مقر قيادته الخاصة وقيادة أخيه. وكان يقول إن خفقان الأعلام في المعركة هو عادة قديمة بليت، وهي تخلق إحساسا خطيرا بالبطولات الشخصية. ولما كان عبد الكريم عارفا بصورة مسبقة بالخطط الإسبانية الخاصة بالانسحاب، فقد ركز كل اهتمامه على الجبهة الشرقية أولا، تاركا لمحمد أمر الاستعدادات من أجل مضايقة الإسبانيين في الغرب. كانت الجبهة الشرقية أقرب إلى داخل البلاد، وكان الاحتلال الإسباني لتافرسيت وتيزي عزة يطرح تهديدا أعظم من احتلال المنطقة الغربية حيث كانت القوات الإسبانية في وضع سيء، وفي مارس 1924، ضرب الريفيون في إفران وتيزي عزة وتافرسيت وميدار. ويقول البروفسور كون في «لحم الثور المتوحش» إن الهجوم على تافرسيت تم بقيادة القائد الذي ينتسب إلى بني تادموت، بقيش، وهو الرجل الذي سماه هارت بغيش، ونسبه إلى قبيلة كسييايا. وسدد بقيش ضربته إلى المدينة قبل الشروق، يقود صفا من الرجال الزاحفين الذين كانت ألوان ثيابهم تمتزج بالصخور التي يختفون بينها، وتقدم الريفيون، وكل واحد منهم يفكر في الجنة التي سيكسبها إذا هو قتل في المعركة ضد الكفار.