في واحتها الصيفية تعود «المساء» إلى أرشيف الأغنية المغربية لتنبش في ذكرياتها، وتكشف بعضا من المستور في لحظة إنتاج هذه الأغاني، من خلال شهادات شعراء وملحنين ومطربين ومهتمين كانوا شاهدين على مرحلة الولادة، شهادات تحمل لحظات النشوى والإمتاع في الزمن الجميل للأغنية، وأخرى تحرك جراح البعض الذين يصرون على البوح للقارئ رغم جرأة البوح وألمه في بعض الأحيان. لأغنية «نداء الحسن» أو «صوت الحسن ينادي» كما ألف المغاربة أن ينادونها، ذكريات خاصة تعلق بها من شهد الحدث أو سمع عنه، ويتذكر بعضهم الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك الراحل الحسن ببلدية أجدير في الخامس من شهر نونبر من سنة 1975 الذي أبدى فيه رغبته في استرجاع المناطق الصحراوية المغربية بمسيرة سلمية خضراء، حيث قال : «بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمان، واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا، وإنما قطعها الاستعمار لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إن علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه». في تلك اللحظة تطوع حوالي 350 ألف مواطن ومواطنة مسلحين بالقرآن متجهين إلى الأراضي المغربية التي أرادوها بكل التلقائية أرضا محررة، وفي الوقت ذاته، كان الفنانون المغاربة يحاولون أن يكونوا وسط الحدث، من خلال أغان تتغنى بالوحدة الترابية وبالتجاوب مع الخطاب الملكي، تجاوب ردده كل المغاربة لحظة الانطلاقة، قائلين: «صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحراء... فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة موردنا لازم يكمل بالمسيرة الخضراء الله الله الله مسيرة أمة وشعب بولاده وبناتو شعارها سلم وحب والغادي سعداتو الله الله الله حاملين كتاب الله وطريقنا مستقيم إخوانا في الصحراء يسالونا الرحيم بلا حرب بلا سلاح، معجزة الزمان» هي الكلمات التي كتبها الزجال فتح الله لمغاري ولحنها عبد الله عصامي وغنتها المجموعة الصوتية التي شذت على إيقاع فرقة الجوق الملكي التي كان يرأسها عبد السلام خشان الذي فارقنا قبل أيام. عن هذه الأغنية التاريخية، يقول فتح الله لمغاري في تصريح ل«المساء»:» هذه الأغنية لها موقع خاص بين الأغاني الوطنية المغربية، انطلقت فكرتها بعد انتهاء الخطاب الملكي حول الصحراء، إذ كانت أول أغنية أديت عن المسيرة الخضراء، فكما قلت مباشرة بعد الخطاب، طرحت السؤال مع نفسي ماذا سأقدم لهذه المسيرة، فانطلقت من الخطاب نفسه، مرددا صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحراء، فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة...موردنا لازم يكمل بالمسيرة الخضراء». و يضيف فتح الله المغاري: «بمجرد ما انتهيت من كتابة الكلمات، التقيت بالملحن عبد الله عصامي الذي حل ببيتي، ووجدني أقرأ أغنية «المسيرة الخضراء»، وبدأ يدندن في تلك الفترة أمامي، وفي الصباح اتصل عصامي بالجوق الملكي، ولم تمر أربعة وعشرون ساعة حتى انتهينا من الأغنية وأذيعت على أثير الإذاعة في البداية، قبل أن تجد طريقها للتلفزيون بكثير من الذكريات». ذكريات، يقول عنها صاحب «جرح قديم» و«الصنارة» و«أنا فعارك يا يما»: «ما أن خرجت الأغنية، حتى بدأ المغاربة يرددونها بشكل غريب، وبدأ المتطوعون يغنوها في الحافلات، وصارت أنيسهم وخلقت فيهم الحماس وقوت عزيمتهم، والجميل أن هذه الأغنية ظلت رغم مرور عقود من أدائها أول مرة، تردد، لدرجة أنها أضحت رديفا لهذا الحدث، إذ لا يمكن أن نذكر حدث المسيرة الخضراء، دون الوقوف على ذكريات هذه الأغنية التي عبرت عن مشاعر الوطنية لآلاف أو ملايين المغاربة». وعن علاقته بهذه الأغنية، يقول فتح الله لمغاري:«هي أغنية كما باقي الأغاني الوطنية التي غنيتها تحمل إحساسا خاصا، هذه الأغاني كنت أكتبها بعشق وصدق، وأتذكر أن هذه الأغنية كان لها وقع خاص في قلب الحسن الثاني، إذ جراء هذه الأغنية عانقي الملك الراحل الحسن الثاني وهنأني عن هذه الأغنية الوطنية الحماسية التي تحمل حسا وطنيا صادقا، هو الحس الذي عبرت عنه في أغاني الوطنية، ومقابل ذلك أنا متيم بالحسن الثاني وأعشقه بشكل كبير، وكنت لا أفوت الفرصة في كل مناسبة فأغني.» ويختم فتح الله المغاري النبش في ذكرياته بالقول:» الحقيقة لقد أعطيت لمغربي الشيء الكثير، إلا أنني لم أستفد كما استفاد البعض أعتقد أن الفنان حينما يكرس حياته لخدمة وطنه، لابد له أن يكرم أو يرد له الاعتبار، أنا لدي تاريخ طويل، في نظرك ألا أستحق أن أعامل بالشكل الذي أخلصت به لوطني وبلادي الحبيبة. وجدير بالذكر أن حدث المسيرة ألهم الكثير من الفنانين الذين أبدعوا في عدة أغان، من بينها: «العيون عينيا» و«يا الله يا خويا معانا» و«أخي أيه العربي».... صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحراء... فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة موردنا لازم يكمل بالمسيرة الخضراء الله الله الله مسيرة أمة وشعب بولاده وبناتو شعارها سلم وحب والغادي سعداتو الله الله الله حاملين كتاب الله وطريقنا مستقيم إخوانا في الصحراء يسالونا الرحيم بلا حرب بلا سلاح، معجزة الزمان»