رتبت كل شيء في رأسي، وانتظرت لحظة الحسم. دخل العمدة ووقف الجميع. قرع جرسا أمامه لكي ينتبه الحضور، ثم شرع في تقديمه البروتوكولي: السيد فلان والسيدة... انحبست أنفاسي، وبدأت أتلفّت حوالي بحذر كمجرم فار من العدالة، قبل أن أقفز من مكاني فرحا وأنا أسمع اسم كارول كاملا: السيدة كارول-مادلين إيسبيناس... تنفست الصعداء أخيرا وأنا أضع الخاتم في بنصر كارول. الخاتم السحري الذي سيحولني إلى فرنسي ويعبّد لي طريقا سيّارا نحو المستقبل. تزوجت كارول. ذهبنا إلى بلدية الدائرة 13 لإشهار رباطنا. كان اليوم جمعة. الشمس في السماء وقحة مثل شتيمة. قاعة البلدية فسيحة وملأى بالمدعوين. كنت أرتدي بذلة سوداء كلاسيكية. الكوستيم الذي طالما تأملته بحسرة على واجهة زجاجية بالشانزيليزي، ولعنت بيار كاردان وأنا أتفحص الأرقام المفزعة التي كتبت على بطاقة صغيرة، قرب جيب السترة. كارول تلبس فستانا أبيض، مثل أي عروس في فيلم فرنسي من الدرجة الثانية. العرس نفسه يشبه شريطا أخرجه سينمائي فاشل. بين الفينة والأخرى، كان يهيأ إلي أنني أشاهد أناسا غريبين في قاعة البلدية: أصدقاء طفولة، زملاء دراسة، أقرباء غامضون، وعدة وجوه أليفة لكنني لا أعرف أسماءها... لم أتأكد من أن العرس يجري حقا في فرنسا إلا عندما رأيت عائلة كارول وأصدقاءها يوزعون علينا الابتسامات والزهور. انتابني إحساس غريب وأنا أوزع نظراتي بين الحاضرين. فجأة انتبهت إلى أن كارول التي تتأبط ذراعي ليست هي بالضبط كارول صديقتي! أنا أحدق فيها بدهشة وهي تبتسم لي كأن كل شيء على مايرام. لا ليست كارول. إنها فتاة أخرى أعرفها جيدا. مغربية على الأرجح. متنكرة. أحدق فيها. أتأمل عينيها. جبهتها. شفتيها. ذقنها. شعرها... أهز رأسي عدة مرات. لا أصدق ما أرى: إنها هند... زميلة الجامعة التي كدت أتزوجها في المغرب، لولا أنّ عربات البطالة دهست أحلامنا. لكن هند تزوجت ابن خالتها من سنين وسافرت إلى كندا... هل طار لي الفرخ؟ فكّرت أن أسألها مَنْ أنت، وخفت أن أبدو سخيفا، عريس يسأل زوجته من تكون! ازداد المشهد سوريالية عندما ظهرت عمتي فجأة في المشهد، رأيتها تقترب وتسوّي لها الفستان، كما تفعل أي أم مع بنتها، وعندما نظرت إلى كارول اكتشفت أنها فعلا بنت عمتي. لا أصدق: كارول أم هند أم بنت عمتي؟ انتفخت رأسي مثل بطيخة حمراء. كما لو كنت في سباق مع كارثة. من هذه التي سوف أتزوج بعد هنيهات؟! الموقف لا يحتمل الخطأ، لذلك منحت لعواطفي عطلة ولبست نظارات ديكارت، كي أفتش عن مخرج من هذا المأزق الغريب: + أولا، علي أن أتذكر الهدف الأساسي من الزواج: الحصول على جواز سفر فرنسي. + ثانيا، هوية الفتاة التي تمسك بذراعي مطمئنة دون أن تفطن لزلازل رأسي، غير مهمة في حد ذاتها: أهم شيء أن تكون فرنسية. + ثالثا، الحصول على جواز سفر أحمر ممكن مع كارول ومع بنت عمتي التي ولدت هنا وتحمل الجنسية الفرنسية. + رابعا، الزواج من هند عودة إلى حضيض اسمه «المغرب». + خامسا، علي أن أتأكد جيدا من مستقبلي قبل السقوط في بئر بلا قرار. رتبت كل شيء في رأسي، وانتظرت لحظة الحسم. دخل العمدة ووقف الجميع. قرع جرسا أمامه لكي ينتبه الحضور، ثم شرع في تقديمه البروتوكولي: السيد فلان والسيدة... انحبست أنفاسي، وبدأت أتلفّت حوالي بحذر كمجرم فار من العدالة، قبل أن أقفز من مكاني فرحا وأنا أسمع اسم كارول كاملا: السيدة كارول-مادلين إيسبيناس... تنفست الصعداء أخيرا وأنا أضع الخاتم في بنصر كارول. الخاتم السحري الذي سيحولني إلى فرنسي ويعبّد لي طريقا سيّارا نحو المستقبل. فجأة، من وراء زجاج النافذة، لمحت صديقي فؤاد. استغربت في البداية لماذا بقي بالخارج. رأيته يلوّح بيديه محتجا، كما لو كان يود تحذيري من كارثة. فهمت منه بسرعة أن هذا الزواج مجرد مقلب، لن يسفر على بطاقة إقامة ولا جواز سفر ولا هم يحزنون. لا أدري لماذا صدّقته وتملكني الفزع. لم أعرف ماذا أصنع. كيف أفر بجلدي من هذه الورطة؟ هل أستعطف المرأة الغامضة التي تتأبط ذراعي بأن نؤجل الزواج قليلا، ريثما تتوضح في رأسي الشخصيات والوجوه والحسابات؟ أم أصيح عاليا في وجه هؤلاء الأوغاد: «توقفوا...لا أريد الزواج. أريد أن أبقى حرا. أريد أن أبقى حرا!» ؟ كاد رأسي ينفجر... لا أعرف من أين تأتي الجرأة، لكنني تقدمت فجأة نحو العمدة وخطفت من يده ورقة الزواج قبل أن توقّع، وسط ذهول الجميع، قبل أن أطلق سيقاني للريح. قرع العمدة الجرس الذي أمامه بقوة، وهو يصيح: «أمسكوه». تبعني الجميع. ظللت أركض وكلهم يركضون ورائي وجرس العمدة يرن ويرن ويرن في أذني... استيقظت بعرق غزير على جبيني. أسكتّ المنبه المزعج. كانت الساعة تشير إلى التاسعة ليلا. تبّا... لن أنام هذه الليلة. غسلت وجهي وأنا أستعيد شريط ما جرى: كيف غرّر بي فؤاد الحقير؟ كل شيء كان يدلّ على أن العروس هي كارول، ما أنذله وما أغباني... ضيّع علي الوغد فرصة العمر. ضاع جواز السفر الفرنسي!