في منظر شبيه بالأحياء الفقيرة بمدنية «كلكوتا» الهندية أو «الفافيلاس» البرازيلية أو أحياء الصفيح المغربية، يعيش أكثر من ألف مهاجر سري مغربي تحت أقدام القهر والمعاناة بمدينة سان نيكولا الفلاحية بجهة كمابانا (الجنوب الإيطالي). يعملون يوميا في حقول المدينة من الرابعة صباحا إلى السادسة بعد الظهر، وعندما يتوقفون نصف ساعة للراحة ولتزويد أجسامهم المنهكة بالقوت يخرجون قطعا من الخبز بداخلها إما البطاطس أو الطماطم أو أي شيء آخر يمنح الطعام مذاقا آخر يختلف عن مذاق الخبز الذي اعتادوا على تناوله لوحده في بعض الأحيان. الماء فهم يضطرون لشرائه وباثنين أورو يسحبونه من مبلغ 25 أورو يتقاضونه يوميا عن العمل في الحقول. نسبة من هؤلاء المغاربة وصلت إلى إيطاليا بشكل قانوني من خلال عقود للعمل الموسمي في حقول «كمبانا» وعندما انتهت صلاحية مدة العمل أصبحوا مهاجرين سريين، في حين أن آخرين أكدوا أنهم دخلوا إيطاليا سرا عن طريق جزيرة لمبيدوزا (جزيرة بجنوب صقلية) قبل أن يحطوا الرحال بحقول إيطالية تسيطر عليها عصابات لاكامورا» لتي تجد في استغلال المهاجرين السريين فرصة لتحقيق أرباح مالية بملايين اليورو. كل هذا يحدث بعلم السلطات الإيطالية، وبعلم رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني ووزيره في الداخلية روبيرتو ماروني. فهما قد أكدا عزمهما على محاربة الهجرة السرية واقتلاع جذورها بإيطاليا، لكنهما في الوقت نفسه لا يجدان في محاربة من يستغل المهاجرين السريين ويجعلهم كالعبيد أمرا قد يجلب المنفعة لهما، و لحكومة اليمين التي تعرف جيدا أن من يستغل هؤلاء المهاجرين المغاربة الضعفاء، شخصيات سياسية نافذة توفر أصواتا مهمة ل «البي دي إل» (حزب شعب الحرية) في الانتخابات الإدارية والسياسية والأوربية. تقارير منظمات حقوقية تابعة للأمم المتحدة والإتحاد الأوربي التي صدرت في بداية الأسبوع الجاري أكدت ما يجري من انتهاكات بحقول كمابانا في حق المهاجرين المغاربة وشجعت المغربي عبد الحق. ن (25 سنة) على وصف المعاناة اليومية لأبناء جلدته: «دفعت أكثر من 7 ألاف أورو لشراء عقد عمل موسمي في الفلاحة، وقال لي المغربي الذي دفعت له المبلغ أنني سأحصل على رخصة إقامة دائمة بإيطاليا وسيكون لي الحق في العمل بكل حرية، لكنني صدمت بعد وصولي إلى نابولي وإلى سان نيكولا بعمل أكثر قسوة وأقل أجرا مما يمنحه أرباب العمل بالمغرب، قيل لي كذلك إن رخصة إقامتي غير قابلة للتجديد وإنني إن أردت البقاء في إيطاليا يجب علي أن أرضى بالأمر الواقع». نفس المعاناة يعيشها مغاربة آخرون بحقول جهة بوليا وبجهة كلابريا، التي تستغل فيها عصابات ساكرا كرونا والإندراغيتا سواعد أبناء المغرب لتحقيق أرباح خيالية تساهم بشكل كبير في اقتصاديات الجهتين، فالمغاربة العاملون في حقول بوليا يمثلون نسبة 70 في المائة من مجموع العمال غالبيتهم رجال بدون رخص الإقامة ويتقاضون في بعض الأحيان مبلغ 15 أورو أما بجهة كالابريا فعصابات «لإنتدرانغيتا» تسغل المهاجرين المغاربة غير الشرعيين ليس فقط في مجال الفلاحة، بل في أعمال أخرى تجارية غير شرعية تتعلق بالمخدرات وبالبضائع المستنسخة عن ماركات عالمية, التي يبيعها المغاربة بالتقسيط وبشكل غير قانوني بمدن الجهة وخصوصا بمدينة ريدجو كلابريا. يأتي هذا الاستغلال في وقت تستنكر فيه الجالية المغربية بإيطاليا الغياب التام للجمعيات والقنصليات المغربية وكذلك للوزارة المعنية بالهجرة وحتى لمجلس الجالية للقيام بأي دور لمساعدة مغاربة يعيشون القهر والعبودية داخل مجتمع إيطالي ديمقراطي وفي زمن المسلسل الديمقراطي المغربي.