نظمت فرقة الريف للمسرح الأمازيغي وبشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومندوبية وزارة الثقافة، المهرجان الوطني الأول للمسرح بالحسيمة تحت شعار «العمل المشترك سبيل المواطنة» بدار الثقافة الأمير مولاي الحسن ما بين 15 و21 من الشهر الجاري. وقد حضر الافتتاح والي جهة تازةالحسيمة تاونات وممثلون عن المجلس البلدي والمجلس الجهوي ورئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات وعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية وفعاليات المجتمع المدني ورجال الصحافة والإعلام، ليفتتح المهرجان بلوحة فنية رائعة لأطفال فرقة المسرح الأمازيغي، عبر حركات تلقائية صامتة ومعبرة توحي بالكثير من الدلالات والمعاني المتعالية بإيحاءاتها الفلسفية والمتناقضة في مسيرة الإنسان من أجل التحدي والسمو والعطاء، لتضيء شعلة الأمل بعد وحشة اليأس وظلمته، وتستمر الحياة في مسارات من الممكن الذي تصنعه الإرادة . هذا قبل أن يبدع عبد الحق الزروالي، كما تعود ذلك دائما، في مسرحيته «واش فهمتي» التي أبدعها تأليفا عن مذكرات بابلو نيرودا، ومن إخراج سعيد الوردي وسينوغرافيا ادريس السنوسي، بلغة أدبية فلسفية عميقة تجمع بين الإشارة والعبارة من أجل رسم حدود المعنى في تجلياته المتناقضة عندما تعثرت عربة نيرودا عند الخط الأمامي وبعدها فقط «هاجرت كل الطيور ولم يبق غير الرماد». كان يحكي ويروي ويصف وهو «يشم رائحة البارود والمقابر» معلنا بصوت الضمير الذي يأبى أن يظل مستترا، بل متحديا «أنا ما ولدت لأحارب ولا أعداء لي غير ناهبي الثروات وتجار أسلحة الدمار». ومن نيرودا إلى فاليري «اللي كيفيق فالنبوري» وغيره من الشخصيات والحركات والعبارات والنظرات، ليختم العرض المسرحي بإشارات لا تخلو من معنى «يا أولي الألباب استيقظوا... افتحوا النوافذ والأبواب... تعثرت عربتي عند الخط الأمامي». إنه الإبداع عندما ينساب، كلمات لا تطويها الكلمات. إنها تظاهرة فنية وفكرية بامتياز تأتي وفق ما تورده كلمة المهرجان كتعبير عفوي عما راكمه الشباب المبدع بالمدينة من تجربة وحب للمسرح، وكذا لتكريم كل من ساهم في التأسيس لهذه النهضة المسرحية وتتويجا لقيم العمل المشترك الذي تعتز به الفرق المسرحية لتعيد إحياء روح التعاون والتواصل، رغم قلة الدعم المقدم للجمعيات الثقافية والمسرحية بالمدينة، كما أكد على ذلك لعزيز ابراهيمي، مدير المهرجان الذي أوضح في ندوة صحافية «أن الحسيمة لم تحصل من الميزانية الجهوية لوزارة الثقافة إلا على اثنين في المائة من الدعم المخصص للجمعيات، مما يطرح أكثر من سؤال، بل كيف يعقل أن تكون الحسيمة إداريا مركز الجهة ويظل مقر المندوبية الجهوية في تازة»؟ «إننا نطالب أن تكون الحسيمة مقرا للمندوبية الجهوية للثقافة، وذلك في إطار ما يمكن أن نسميه بجبر الضرر الثقافي»، يقول لعزيز ابراهيمي، قبل أن يؤكد أن المهرجان جاء لخلق نوع من الدينامية الثقافية في المنطقة وفي الحسيمة تحديدا، هذه الأخيرة التي قال عنها عبد الحق الزروالي بعد إنهاء عرضه: «في الطريق عندما أتيت قلت ما أبعد الحسيمة عن الرباط والآن أقول ما أقرب الحسيمة من القلب»، ويضيف متمنيا أن تصبح المنطقة «ليس فقط مركز إشعاع ثقافي على المستوى الوطني وإنما مركز إشعاع على الصعيد العالمي»، ولم لا إذا توفرت الإرادة وتضافرت الجهود والمبادرات من أجل ذلك؟ يرد أحد الفاعلين الجمعويين المهتمين بالشأن الثقافي. هذا وقد برمج المهرجان العديد من المسرحيات والندوات واللقاءات والأوراش التكوينية كما تعددت المشاركات ما بين سلا ووجدة والخميسات وتطوان والرباط وفاس فالحسيمة، التي ستكرم أربعة من روادها المسرحيين وهم عبد القادر المصباحي وأحمد لهيت ومحمد العرصي وعمر الصابري، باعتبارهم رموزا للعطاء المسرحي والإبداع الأصيل، فهل سيستمر العطاء؟