إفريقيا لم تكن دائما سيدة قراراتها،صحيح أنها حصلت على استقلالها السياسي، لكن استقلال المؤسسات والشخصيات التي تتعاقب على حكم البلدان المشكلة للقارة يبدو أنه مازال بعيد المنال في ظل التطاحنات العسكرية والمطامع التي تحرك الرغبة في الاستيلاء على الحكم. الإعلام، بدوره، له نصيب من التأثير الممارس على حكام إفريقيا. فغياب الديمقراطية الحقيقية يجعل حكام القارة السمراء في تبعية دائمة لإعلام يلمع صورتهم مقابل عطايا مادية هائلة. كل مقال له ثمنه. «جون أفريك»، الأسبوعية التي أسسها الوزير التونسي الأسبق البشير بن ياحمد، واحدة من هذا «اللوبي» الإعلامي الذي يعرف كيف تؤكل كتف إفريقيا. المغربي حسن الزيادي هو الآخر لم يهضم بعد ما وقع في الملف حول كوت ديفوار، الذي أُنجزه على عجل وأرسله بالفاكس من المكان الذي كان يقضي فيه عطلته في المغرب. «تحدثت فيه عن قضايا اختلاس أموال، يقول الزيادي، وهي القضايا التي فضحها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وبعد عودتي إلى الصحيفة، اكتشفت أن الموضوع تعرض للتلطيف بعد أن سُلم للشركاء الإيفواريين وقيل لهم: انظروا ماذا كان سينشر عنكم، من حسن الحظ أننا نراقب الأمور.». صحافية سابقة أخرى بالصحيفة مازالت تذكر الربورطاج الذي أنجزته حول الكامرون، والذي اقتطعت منه فقرة تتحدث عن قصر إتودي، مقر الرئاسة. «لا يمكن أن نقبل بهذا». هكذا علق فرانسوا سودان حينها عن الموضوع. بن ياحمد يفضل، إذن، المقص على الفأس القاصمة. فقد اختفت ثلاثة أسماء من لائحة البيروقراطيات البترولية التي وضعها الجامعي كريستيان بوكي، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة بوردو III، في مقال حول الإجرام طلبت منه «جون أفريك» صياغته ونشرته في طبعة 2006 من الملحق الخاص بعنوان «الوضع في إفريقيا». هذه الأسماء هي: إيكسونت دنيس ساسو وعمر بانغو أونديمبا وتيودور أوبيانغ نغيما مباسوغو، الرئيس المطلق لغينيا الاستوائية منذ انقلاب سنة 1979. هكذا يمكن للصحيفة أن تغير شعارها «واجب الإعلام، حرية الكتابة» حسب الظروف. في حال الأزمات تبحث المؤسسات الصحافية عن خلاصها في «المنتوجات المشتقة». في هذا السياق، ينبغي الاعتراف لسي ياحمد برؤيته المستبصرة. إذ تعرض المجموعة، من خلال منشورات جاغوار، الموجود مقرها في 55 مكرر، زنقة أوطوي (باريس)، على البلدان التي تدور في فلك تأثيرها إنجاز كتيبات تعريفية ودعائية. في هذا الإطار، وجهت إدارة المنشورات المذكورة إلى وزارة الاتصال بداكار فاتورة تحمل رقم 9906002، بتاريخ 2 يونيو 1999، وتتعلق بإعادة طبع 5000 نسخة من طبعة «أطلس السينغال» مقابل مبلغ إجمالي قيمته 600 ألف فرنك، أي أكثر من 90 ألف أورو يؤدى بشيك بنكي أو يحول إلى الاتحاد التونسي للأبناك، زنقة بيراميد، في المقاطعة الباريسية الأولى. إلا أن تصفية الفاتورات قد لا تتم كما تريد المجموعة، فتضطر إلى استعمال خبرتها في المجال. فبتاريخ 28 مارس، كتبت دانيال بن ياحمد، المديرة العامة ل «جاكوار»، إلى الوزير الأول السينغالي ممادو لامين لوم تدعوه إلى التفضل بتوجيه أوامره للإسراع بدفع المبلغ المتبقي في ذمة الدولة السينغالية. إلا أن رسالة دانيال لم تجد جوابا. ثلاثة أسابيع بعد ذلك، توصل خليفة لوم، مصطفى نياس، المعين حديثا، برسالة مماثلة تعبر فيها زوجة سي ياحمد عن «حيرتها» من أمر الفاتورات المعلقة بدون أداء، خاصة أنها اضطرت إلى الانتظار دون جواب رغم إلحاحها المتكرر. ويتعلق الأمر بفاتورة أداء عن 7000 نسخة من كتيب آخر حول «السينغال اليوم». (...) في الثمانينيات «طلب بن ياحمد، يقول شاهد عن تلك الحقبة، إنجاز سلسلة مصورة، سحبت في حوالي 100 نسخة، تتغنى بمجد شارل دوغول، وبحياته وأعماله، فقدمت إلى زعماء الدول الإفريقية. بقي بعد ذلك العمل على إقناعهم بالحصول على سلسلات مماثلة تروي مجدهم، وتجعلهم يتموقعون في نفس الموقع الذي يتمتع به الجنرال الفرنسي. ولم يعض على الطعم إلا القذافي وموبوتو.» لقد كان إمبراطور الزايير الراحل زبونا وفيا إلى حد أنه عهد إلى أحد صحافيي «جون أفريك» بتحرير بيوغرافيا متخيلة لأمه المقدسة، وتقديمها في صورة بطلة تحرير وطنية ناضلت ضد الاستعمار. عندما طُرح تغيير اسم «جون أفريك» إلى اسم «لاكسيون»، نزلت عشيرة بن ياحمد بكل ضغطها كي تمنع هذا التغيير، بفضل السيطرة التي يتمتع بها البشير داخل مملكته وبفضل الوفاء الذي يكنه له عدد من الزعماء الأفارقة، وبفضل الشكل المفروض على طريقة المساهمة في رأسمال المجموعة. «لقد كانت استراتيجية البشير، يقول بول بيغاس، نائب مدير المجموعة بين 1994 و1997، تعتمد دائما على تشتيت الرأسمال.» (...) لكن اللائحة الرسمية لمالكي الأسهم المائة والخمسين في «الشركة الدولية للتمويل والاستثمار»، هولدينغ مجموعة «جون أفريك»، تخفي بعض الخبايا. إذ توجد بها أسماء العديد من زعماء الدول، منهم من لم يعد في منصبه ومنهم من اختفى. «لا يوجد من بين هؤلاء، ينفي سي البشير، ولا رئيس واحد في السلطة، ولا أحد منهم يملك أكثر من 50 ألف فرنك.» اللائحة تضم ليوبولد سيدار سينغور والرواندي جوفينال هابياريمانا، الذي كُتب اسمه على اللائحة مختلفا، على الشكل التالي هابياليمانا. آخرون كانت بجانبهم العناية الربانية حين انسحبوا من اللائحة، من قبيل الكونغولي باسكال ليسوبا، الذي أُبعد سنة 1997، أو المالي أمادو توماني توري. عندما انخرط هذا الأخير في رأسمال المجموعة مقابل 50 ألف فرنك من الأسهم، كان يستعد لمعاودة الوصول، عن طريق صناديق الاقتراع، إلى كرسي الرئاسة الذي كان سيطر عليه بعد انقلاب عسكري سنة 1991 وأزاح الدكتاتور موسى طراوري قبل أن يتخلى عنه لألفا عمر كوناري، الشخصية المدنية.