شربنا الموناضا، تكرعنا، وتابعنا الحديث بالرغم من التلفاز الذي تابعت فيه اللجنة «تقييم الفعاليات الفنية» إلى أن طلب الضاوي من والده إيقاف التلفزيون وهو ما فعله هذا الأخير بامتعاض بعد العناق وسلم علي نسلم عليك، دخلنا الصالون وكانت تتدلى من السقف ثريا بلورية لربما لا توجد في البيت الأبيض. أثبتت على الحائط من الجهات الأربع رؤوس محنطة لغزلان، نمور، وطيور برية نادرة لربما يعتبرها الحاج ولد عربية مفخرة شخصية. ما بين رأس نمر و نسر، علقت لوحة زيتية هي بورتريه الحاج. لو حققت جيدا للاحظت أن الرسام الذي وقع اللوحة باسم نجيب الخطاط، (بيكاسو ديال الكارة)، أخطأ العين اليسرى والذقن. وتصوروا معي المنظر. - تبارك الله على هاذ اللوحة ونعم الفنان قلت له... - تقامت بجوج ملاين ! - صافي؟ والله رخيصة. في فرنسا مثل هاذ البورتريه يساوي زبالة ديال لفلوس... !! ولما أخبرني أنه أوصى على بورتريه للضاوي، فكرت أن «بيكاسو الكارة» عثر على عجينة طرية !! - وافينك آعبد الحليم؟ جيب الموناضا والثلج !! هرع هذا الأخير في اتجاه المطبخ، فيما ضغط الحاج على التيليكوموند، لينفتح بطريقة آلية صوان زجاجي كبير وبداخله شاشة مسطحة بمساحة طويلة. إحدى مزايا هذه الشاشات هي أنه لا يمكن أن تضع عليها مشموم ورد من البلاستيك، ولا كأس بلار أو ألبومات العائلة. انبعث من التلفاز صوت صاخب تلته صورة خطيب كنيسة أمريكية يزبد ويرغي على رأس امرأة يريد استشفاءها باستحضار النبي عيسى ودخلت القاعة في جذبة جماعية. «هاد الشي تايخلع» لاحظ الحاج. بعد أن استعرض بسرعة قنوات أخرى، أوقف من دون أن يستشير أحدا، اختياره على قناة «دوزيم»، وبالتحديد على برنامج-مسابقة غناء، يصح أن نسأل في حقه السؤال الذي طرحه المرحوم فريد الأطرش منذ عقود خلت: «انت شرقي ولا غربي؟» لأن بعض المتباريات، والمسألة لا يجادل فيها اثنان، من الأفضل أن يغنين في سطل. ولما تكلمت المتبارية النيميرو ربعة، فاجأت الجميع. أخذت الميكرو وصرحت بلهجة خليجية: «زين..نحاول نتكوت (يعني أتقوت) الفن من العمك (أي العمق). زين...نرطب حلكي (حلقي)، كل صباح بكدر(بقدر) من لعسل ولحليب...!! سير الله ينعل اللي ما يحشم... - ياك ما بغيتي تشوف شي ديفيدي آالسي المعطي... - لا آسي الحاج..وضع عبد الحليم على طاولة مستديرة صينية ملأى بأنواع ملونة من الموناضا، أنا متأكد أن لا أحد قرأ تشكيلتها. وحضرني ما وقع لعامل كان يشتغل في أحد أوراش حي النخيل بمراكش. يمتطي بين الحين والآخر دراجته للتسوق من سوق مرجان. يشتري علبا من معجون باللحم، كوميرة وشيئا من العنب. وفي اليوم الثالث سأل أحد المهندسين العمال لما زار الورش: «شكون تايكل هاذوك لحكاك»، مشيرا إلى العلب المرمية فوق كومة من التراب؟ - حماد وبيهي أجابه أحدهم. نادى على الشخص ليسأله: - هل تعرف أنك تأكل معجون لحم مخصص للكلاب؟ - ما عرفتش آسيدي أجابه حماد وبيهي.. قهقه العمال وحولوا حماد وبيهي إلى نكتة متنقلة. «كون بقيتي تتاكل هذاك اللحم، تولي تاتنبح وانت تضرب البغلي» قال له أحدهم. الله ينعل الزلط!!.. شربنا الموناضا، تكرعنا، وتابعنا الحديث بالرغم من التلفاز الذي تابعت فيه اللجنة «تقييم الفعاليات الفنية» إلى أن طلب الضاوي من والده إيقاف التلفزيون وهو ما فعله هذا الأخير بامتعاض. الصهد هاد العام الله يحفظ واعر، أخبرني الحاج. كنت أترقب أن يشتكي من آثار الجفاف على الأرض والماشية وانعكاساتها على أثمنة القمح والخضر ...فإذا به يعرج بي على الحديث عن تأثر موسم الصيد بالصهد !!.. «أناري الله يحفظ ما كاين لا حجل ولا أرنب، ولا حمام، ولا كركدان ....ما بقات غير طايرة بكر...»!