يحكي مواطن من طنجة قصته مع إحدى المقاولات العقارية قائلا: «اطلعت على إعلان يقول إنه من الممكن الحصول على فيلا متوسطة بمبلغ 70 مليون سنتيم. أسرعت إلى مكتب البيع، وسعدت أكثر حين علمت بأنه يمكنني أن أدفع فقط 10 آلاف درهم، يعني مليون سنتيم، وسأحصل على فيلا. هناك الآلاف من الناس فعلوا مثلي ودفعوا مليون سنتيم وهم يحلمون بالتوفر على فيلا من طابقين في ضواحي طنجة. بعد بضعة أشهر، شاهدت نفس الإعلان لنفس الشركة العقارية وهو يعرض فيلات للبيع موجهة إلى الأجانب، وكان ثمن كل فيلا هو أزيد من 200 مليون سنتيم. توجهت نحو مكتب البيع من أجل قطع الشك باليقين، فقيل لنا إن العملية التي دفعنا من أجلها أموالنا انتهت. وفي حال ما إذا أردنا استرجاع العشرة آلاف درهم، فيجب أن نرسل طلبا مكتوبا إلى الشركة، وهذه الأخيرة ستجيبنا بعد 4 أشهر. هكذا بنينا ثروات الشركة بأنفسنا، وفي النهاية طردتنا كما تطرد الكلاب الجرباء، وباعت رزقنا لغيرنا بأثمان مضاعفة، فقررت أن أضع ملفي لدى محام وأتابع هذه الشركة بتهمة الاحتيال». هذه واحدة من قصص الاحتيال العقاري في المغرب، وواحدة من القصص التي تشير إلى الطريقة التي انتهجتها عشرات المقاولات العقارية التي تبني مجمعات عقارية كاملة من لا شيء، ومقاولون كانوا لا شيء فتحولوا إلى ملايْريّة عن طريق التلاعب أمام أنظار الدولة وأسماعها. هذه الشركة العقارية في طنجة جمعت الملايير من آلاف الناس الذين تهافتوا على مكتبها من أجل اقتناء فيلا، وبعد أن بنت ما أرادت بأموالهم، لفظتهم كما تلفظ عقب سيجارة، ثم أصبحت تبيع الفيلات بثمن مضاعف ثلاث مرات. ليس هناك احتيال أكبر من هذا، ومع ذلك فإن المسؤولين المغاربة يمارسون دور النعامة ويخفون رؤوسهم في الرمل أمام هذه المقاولات المحتالة. هناك حيل كثيرة أخرى يلجأ إليها الكثير من المقاولات العقارية التي تشتري الأراضي الجماعية والسلالية بأثمان زهيدة مقابل وعود تقدمها إلى السكان بأنها ستمنحهم شققا، وفي النهاية يجدون أنفسهم بلا أرض ولا شقق. هناك أيضا قصص بالمئات لأشخاص دفعوا دم قلوبهم من أجل شقق بمساحة 80 مترا مثلا، وفي النهاية وجدوا أنفسهم يتسلمون شققا ب70 مترا فقط، وليشربوا البحر. هناك آلاف المغاربة استلموا شققا بها عيوب خطيرة، بدءا بباب المرحاض الذي يبقى مشْرعا، وانتهاء بتسربات خطيرة للمياه، مرورا عبر استعمال تجهيزات رديئة تتلف أو تصاب بالصدأ عند أول استعمال. هذا دون الحديث عن خطورة الأضرار التي يمكن أن تصاب بها هذه العمارات الورقية عند حدوث أول هزة أرضية، مع أن عددا من العمارات بنيت مائلة، ولن تحتاج إلى هزات أرضية لكي تسقط. هناك أيضا مقاولات عقارية اشترت قمم الهضاب بالمجان أو بأثمان زهيدة وجاءت بالطراكسات لكي تحولها إلى سهول، ثم باعت الشقق بثمن الذهب. إن ما يجري من احتيال ونصب في إطار الطفرة العقارية بالمغرب يحتاج إلى مجلدات وليس إلى بضعة أسطر. ولو قيّض لكل متضرر من هذه القبور الجديدة أن يتكلم لأصيب الناس بالشيب قبل الأوان. وفي كل الأحوال، فإن المغاربة البسطاء يتساءلون: هل خلقنا الله فقط لكي يحلبنا أباطرة العقار؟ لماذا يحدث كل هذا، إذن، والدولة صامتة؟ ولماذا تعتبر الشقق في المغرب من بين أغلاها في العالم، بينما الدولة لا تحرك ساكنا؟ ولماذا يلقي وزير الإسكان توفيق احجيرة خطابا في معرض العقار بفرنسا ويعبر عن ابتهاجه لأن أسعار العقار لن تنهار؟ هل هو سعيد بانهيار جيوب المغاربة وامتلاء جيوب أباطرة العقار؟ من الغريب حقا أن المغرب يحاول أن يعطي، خلال العقد الأخير، صورة خاطئة عن ازدهاره. ربما يعتبر المسؤولون المغاربة أن علامات التقدم تكمن في هذه السيول الجارفة من العمارات والمجمعات السكنية البئيسة التي كان الجنرال فرانكو يبني أحسن منها للإسبان في عز الدكتاتورية بإسبانيا. ومن الغريب حقا أنه في الوقت الذي يتنافس فيه أباطرة العقار في مراكمة الإسمنت المشوه والثروات، فإن الواقع المغربي يظل صادما ومؤلما في مستشفياته وطرقه وحدائقه ومدارسه وجامعاته وأحيائه وبراريكه حيث يتجمع بؤس خرافي. المغرب يريد أن يبني مستقبله بالإسمنت فقط...