تقوم لجان تقصي الحقائق بدورها في الوقوف على حقيقة الاختلالات الإدارية أو التنظيمية التي يمكن أن تحدث في العديد من المؤسسات أوالاختلاسات المالية التي يمكن أن تعرفها. وحسب الدستور، فإن لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها وتنتهي مهمتها بإيداع تقريرها، ولها قانون تنظيمي يحدد طريقة تسييرها، كما أن تشكيلها يتطلب توفر الأغلبية. لكن إلى أي حد يساهم عمل اللجان في محاربة الفساد؟ وهل يعتبر توفر الأغلبية من العوائق التي تحول دون تكوين لجان في العديد من الملفات؟ يتيح الدستور مراقبة عمل مؤسسات الدولة أو الوقوف على العديد من التجاوزات التي تقوم بها السلطات وغيرها من المواضيع التي يمكن أن تكون محل تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، فحسب الفقرة الأخيرة من الفصل 42 «يجوز أن تشكل بمبادرة من الملك أو بطلب من أغلبية أعضاء أي من المجلسين لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، وإطلاع المجلس الذي شكلها على النتائج التي تنتهي إليها أعمالها، ولا يجوز تكوين لجان لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية ما دامت هذه المتابعات جارية؛ وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق سبق تكوينها فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها».. وتهدف لجان تقصي الحقائق إلى التصدي لكل الاختلالات التي يمكن أن تصيب بعض المؤسسات العامة للدولة أو مجموعة من التجاوزات التي تستهدف بعض الحقوق الخاصة أو العامة للمواطنين، حسب ما أكده نور الدين مضيان، عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب. وتروم هذه اللجان «الوقوف على مواطن الخلل وأوجه الفساد المختلفة التي تبحث في أي فساد وفي أي شكل من أشكاله الاقتصادية أو المالية أو الاجتماعية». وأكد مضيان أن السنوات الأخيرة عرفت تكوين العديد من اللجان تصب في اتجاه البحث والوقوف في قضية من القضايا أو التجاوزت التي تقوم بها السلطات تجاه حق من الحقوق المختلفة أو اختلاسات معينة بهذه المؤسسة أو تلك، ويكون هاجس مجلس النواب هو الوقوف على حقيقة ما جرى والوصول إلى ذلك بكل الوسائل. غير أن نتيجة التقارير وتوصياتها ينبغي أن يتم تفعيلها وتنزيلها على أرض الواقع، عبر تشكيل خلايا للتتبع، وهذا لن يكون إلا عبر إعادة النظر في الترسانة القانونية، حسب الرأي الشخصي لمضيان. وفي الوقت نفسه ينبغي على الفرقاء السياسيين أن يقتنعوا باختلاف الملفات وطبيعتها، يقول النائب الاستقلالي، إذ إن هناك قانونا يحكم اللجان على مستوى المجالس التشريعية ويحتوي مجموعة من الشروط لتكوينها ومنها توفير النصاب القانوني. وأشار مضيان إلى ضرورة تطبيق توصيات اللجان حتى يثق المواطنون في عمل المؤسسات التشريعية لأنهم ينتظرون منها الكثير، وهو ما يتطلب تطوير عمل اللجان حتى تصبح مؤثرة وأكثر فاعلية. وتساءل عن مآل التقارير التي اشتغلت عليها المؤسسات التشريعية ليل نهار وينتظر المواطن المغربي تنزيلها بكل صدق وأمانة. وبالمقابل، هناك لجان لم يكتب لها أن تنشأ بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني مثل لجنة تقصي الحقائق حول الخطوط الملكية الجوية «لارام» وقطاع الرياضة حيث اقتصر الأمر على لجنة استطلاعية، إضافة إلى ملفات تتعلق بتفويت الأراضي من بينها أراض بمدينة العيون. وفي هذا الصدد، يقول عبد الله بوانو، عضو فريق العدالة والتنمية: «للأسف الشديد من بين الأمور التي ينبغي تعديلها في الدستور طريقة تشكيل لجان تقصي الحقائق لتجعل الأمر ميسرا قصد قيامها بدورها الإيجابي في محاربة الفساد»، موضحا أن العائق العددي المتمثل في النصاب القانوني من أجل تشكيلها عرقل وأسقط العديد من المبادرات، من قبيل طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول شركة النجاة وتفويت بعض الأراضي، من بينها تفويت أراضي العيون بالرغم من أن المبادرة جاءت من الأغلبية. وأضاف بوانو أن المغرب ينبغي أن يزيل هذه العوائق التي لا توجد في العديد من البلدان الديمقراطية إذا أراد أن يسير في اتجاه محاربة الفساد بكل تلاوينه وأشكاله، وأن تقوم لجان تقصي الحقائق بدورها الإيجابي في مراقبة عمل الحكومة عموما وعمل قطاعاتها. ومن المفروض أنه كلما أثير موضوع يتعلق بالمال العام، فإن الأولى أن يتم تكوين لجنة لتقصي الحقائق لما لها من حياد وقوة دستورية في حماية المال العام، وأنه كلما تحركت هذه الوسائل ساهمت بشكل كبير في محاربة الفساد، يقول بوانو. وإلى جانب لجان تقصي الحقائق فإن هناك العديد من المؤسسات التي لها دور المراقبة والكشف عن الاختلاسات المالية التي يمكن أن تقع، ومنها المجلس الجهوي للحسابات أو المجلس الأعلى للحسابات والمفتشيات العامة التابعة لكل القطاعات الوزارية، علاوة على رقابة المنتخبين والمجالس الإدارية.