ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الإسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492، وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات حسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية. في الحلقات التالية نعرض لأهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، إلى عام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى. شكلت أعمال القرصنة أحد أبرز أسباب العداء بين المسيحيين الإسبان والمسلمين، فهذه الأعمال تحكمت بدون شك، من دون سائر النزاعات الأخرى، في رسم الصورة التحقيرية لسكان شمال إفريقيا انطلاقا من التصور المسيحي، لكون تلك الأعمال كانت تخلف آلاف القتلى والأسرى الذين يتحولون إلى عبيد بأيدي «أعداء الدين». لقد وجدت جميع شرائح المجتمع الإسباني نفسها تحت طائلة الخوف من الغزوات التي يشنها القراصنة المسلمون، حتى وإن لم يكونوا جميعهم معرضين، بنفس القدر، لذلك الخطر. والأغنية التالية، التي تدعو إلى دعم مشروع كارلوس الخامس (1519–1558) ضد الجزائر والمعروفة باسم «سرقة المسيحية»، تظهر لنا خطورة العبودية التي كان المسيحيون يتعرضون لها في شمال إفريقيا: أنصت لعشرين ألف روح مسيحية الصخب في الجزائر، إسبانيا المسيحية حيث السفن الشراعية التي تجندها تظهر سخطك على الكافر. إن جردا للأيقونات أو الصور العديدة لتلك المرحلة يمنحنا نماذج عن المواجهات البحرية بين المسيحيين والمسلمين، والتي كانت تظهر الجهل «البصري» بمظاهر ومميزات الأعداء المسلمين، كما يتضح ذلك من خلال نشيد «المعركة البحرية ضد المعمورة» (إشارة إلى الميناء المغربي قرب العرائش). لقد كان السكان المقيمون على مقربة من السواحل فريسة سهلة للمخاوف الوهمية المضخمة بسبب نقص المعلومات الكافية، إذ كانوا يتفرقون نتيجة تلك المخاوف، وكان تحذير» الموروس على الساحل» منتشرا على أوسع نطاق، مبرهنا على مدى الخوف العام من السقوط في الأسر بين أيدي القراصنة الشمال إفريقيين. وكما كان يحصل مع السكان كان يحصل الأمر مع البحارة والتجار الذين كانوا يخافون من فقدان حياتهم أو ممتلكاتهم. وتظهر لنا القرابين الكثيرة الحالات المختلفة التي تمكن فيها الضحايا الفقراء من الخلاص من هؤلاء القراصنة بفضل العناية الإلهية، وهو ما تعكسه مجموع النحوتات الموجودة على واجهة دير «لاميرسيد» (الإحسان) في قرطبة، حتى وإن كان جل هؤلاء قد نجحوا في الخلاص من الأسر بعد دفعهم فدية مالية. وبالنسبة إلى الكنيسة المسيحية فإن الخطر كان هو أن هؤلاء الأسرى قد يتعرضون للضغط عليهم من أجل التخلي عن الديانة المسيحية واعتناق الإسلام، أو أن يختاروا الإسلام عن طواعية. كما أن الكنيسة كانت تشعر بالخوف من احتمال تعرض النساء والقاصرين الذين يسقطون أسرى في يد القراصنة المسلمين للاغتصاب وتلبية النزوات الجنسية لهؤلاء القراصنة الذين كانوا يوصفون بأنهم شاذون. ويعكس لنا الأدب والشعر في تلك المرحلة العديد من الحالات التي تحولت فيها الكثير من الفتيات والنساء المتزوجات إلى الإسلام، كما هو الحال مع قصة «ناكرة بايادوليد» التي تخلت عن المسيحية بعد وقوعها أسيرة بين أيدي الجزائريين، حيث جاء فيها: تخلت عن الشباب والثروة وعن جلالة المسيح الأغر وتزوجت بواحد من المورو، كان عمرها ستة وعشرين عاما ودخلت في الجماعة الشريرة وأصبح لديها طفلان من المورو مثل أي «محمدية» قاسية. وقد عكست صور تلك المرحلة أيضا أشكال التعذيب والعقاب الشديد التي كان العبيد المسيحيون يتعرضون لها في منطقة البربر، وكان من الرائج في أدب تلك المرحلة إظهار مختلف أشكال الترهيب والتعذيب التي يتم تعريض المسيحيين لها. ولا يجب الاندهاش أمام ما يقدمه الشعر الغنائي الإسباني والكتابات الأدبية من الصور السلبية للمسلمين كمتوحشين ودمويين مستعدين دائما لتنفيذ أكثر أشكال التعذيب في حق المسيحيين. بعض الصور التي تمثل العدو كان لها أيضا هدف تربوي وتعليمي، ومن أمثلة هذه النماذج صورة التركيين المصنوعة من الخشب متعدد الألوان، في هيئة ساخرة، والموجودة في مؤخرة سفينة حربية تعود إلى القرن الثامن عشر. ويجب وضع «رؤوس المورو»، المعلقة في عدة كنائس إسبانية، في نفس الإطار، رغم أنها تعود إلى القرون الوسطى وما زالت قائمة إلى اليوم. إن هذه الصور، التي كانت في الماضي تثير الرعب، تشكل اليوم حافزا لإدخال البهجة على الأطفال.