دعا محامون مشاركون في ندوة حول موضوع ضمانات المحاكمة العادلة، نظمتها جمعية اتحاد المحامين الشباب بالقنيطرة، مساء أول أمس الخميس، إلى اعتماد إصلاحات دستورية حقيقية، كمدخل أساسي للمحاكمات العادلة بالمغرب، وكإحدى أهم الضمانات التي تنتفي معها كل أشكال التعسف والتمييز والشطط، لتفسح المجال لتطبيق سليم للقانون، ولحماية حقوق الأفراد والمجتمع. وقال متدخلون إن من شأن وجود دستور عادل وديمقراطي، منبثق عن إرادة الشعب، ويقر بمبدأ فصل السلط، أن يوفر أجواء وشروط المحاكمة العادلة، المرتبطة أساسا بوجود قضاء نزيه، مؤكدين في الوقت نفسه على أن أصحاب البذلة السوداء هم المؤهلون أكثر من غيرهم للعب دور ارتكازي في تحقيق هذه المحاكمة. وأبرز النقيب عبد الرحمن بنعمرو في مداخلته متطلبات المحاكمة العادلة ودور المحامي في تحقيقها بشراكة مع القضاء، وانطلاقا من قانون عادل على رأسه دستور عادل وديمقراطي في إعداده ومحتواه، يتماشى مع ما تنص عليه المواثيق الدولية، مؤكدا في نفس الوقت، على ضرورة فصل السلط، بما يخول للقضاء ممارسة أدواره كاملة، بكل نزاهة وشفافية، وبعيدا عن كل الضغوطات التي تجعل منه قضاء منحازا وغير عادل. وأشار بنعمرو إلى أن هشاشة المؤسسة البرلمانية، وضعفها في مجال تشريع القوانين، ومراقبة تطبيقها وتنفيذها، وغياب تعريف دقيق لمصطلح المقدس، وبقاءه خاضعا لجملة من التأويلات، إضافة إلى التركيبة الحالية للمجلس الأعلى للقضاء، معطيات من شأنها أن تمس بالمحاكمة العادلة، وتخل بشروط تحققها، مؤكدا أن متطلبات العدالة تستلزم أيضا وجود برلمان يسهر على تشريع قوانين تضمن المحاكمة العادلة، داعيا المحامي إلى إصلاح ذاته وتحصينها ضد أي جهة، والانخراط في الإصلاح التشريعي، والنضال من أجل المطالبة بإصلاح دستوري، وقال «إن المعركة الأساسية هي المعركة الدستورية للوصول إلى دستور ديمقراطي». بينما تطرقت الأستاذة نعيمة كلاف، عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي نابت عن محمد أمين، الغائب عن أشغال هذه الندوة لظروف قاهرة، لمجموعة من الضمانات الأساسية للمحاكمات، والمرتبطة بشكل متين بظروف تحرير المحاضر، واستنطاق المتهمين، والحراسة النظرية، وحصانة المتهم، وتفعيل مؤسسة السراح المؤقت، وسير المحاكمة، وقرينة البراءة، وعلنية الجلسات، وتعليل الأحكام، خاصة في المحاكمات السياسية، مؤكدة على الدور المهم للمراقب في المحاكمة، من خلال تحرير تقارير تعرض على وسائل الإعلام، من أجل الكشف عن الخروقات التي رافقت أطوارها. واعتبرت كلاف أن المحامين ملزمون بالمطالبة بتطبيق المواثيق الدولية في مرافعاتهم، وفضح كل الخروقات والتجاوزات التي تعرفها المحاكمات، داعية بالمقابل إلى ملاءمة القوانين المحلية مع ما جاء في المواثيق والمعاهدات الدولية، والحرص على أن تحترم المحاكمة المعايير الدولية لحقوق الإنسان. في حين أكد الأستاذ مصطفى العرفاوي، في مداخلته حول موضوع «ضمانات وحقوق المشتبه فيه أثناء البحث التمهيدي»، أن المحاكمات بالمغرب لا زالت بعيدة كل البعد عن توفير شروط العدالة، نتيجة الدور المنوط بالضابطة القضائية العاملة تحت إشراف النيابة العامة، وبحثها الحثيث عن الإدانة أكثر من الحقيقة. واستعرض العرفاوي شروط المحاكمة العادلة، وقال إن هناك قصورا واضحا يعتري تطبيق العديد من عناصرها، مؤكدا على ضرورة الحرص على توفير كافة الضمانات، سواء تلك المتصلة بآدمية وإنسانية المشتبه فيه أو المرتبطة بالحرية، من قبيل الحراسة النظرية وتحديد مدتها، وحق المحامين في مرافقة المتهمين أثناء تمديد هذه الحراسة، والحق في الاستعانة بترجمان أو الضمانات الخاصة ببعض الفئات كالقضاة والموظفين السامين أو ما يتعلق منها بضمانات المحامي في البحث التمهيدي، وفق ما جاء به قانون المهنة الجديد، ملحا على دور القضاء في تفعيل كل هذه الضمانات تحقيقا للمحاكمات العادلة. من جانبه، اعتبر الأستاذ مصطفى عقا، رئيس جمعية اتحاد المحامين الشباب، الحق في المحاكمة العادلة إحدى الركائز التي لا محيد عنها لدولة الحق والقانون، وأكد في تصريح ل«المساء»، على أنه كلما توفرت الشروط والضمانات اللازمة لتفعيل هذا الحق، تمت صيانة حقوق جميع المتقاضين أمام العدالة، وتعزز دور القضاء كسلطة فعلية تسهر على تطبيق القوانين بدون تمييز. وأوضح عقا أن سيادة القانون واحترام الحق في مختلف المجالات لن يتأتيا إلا بتوفر قضاء نزيه ومستقل ومحايد ومساواة الناس أمام القانون، وضمان حق المحاكمة العادلة، الذي حرصت كل الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان، حسبه، على ضرورة حمايته وتوفير الشروط الملائمة لتطبيقه.