تشكل الأخلاق ومنظومة القيم التي تسندها صمام أمان لأي مجتمع في ضمان قوته وصلابته في وجه كل القيم السلبية الوافدة عليه من الخارج لارتباطه به عبر علاقات متعددة سياسية ثقافية اقتصادية سياحية... أو المستنبتة داخله من طرف بعض طبقاته أو فئاته لدوافع معلنة أو غير معلنة الحاملة في طياتها أدوات لخلخلة وهدم الواقع بغية الدفاع عن رزنامة مصالحية أو محاولة خلق زبناء واتباع لهم تبعية وتقاطعات مع الطبقة/الفئة المقوضة للمنظومة، لكون العملية سالفة الذكر تعمل على تفتيت البنى الاجتماعية أو تشل حركيتها من قبيل الأسرة والعائلة والقبيلة ...إلخ. ويتم ذلك بتضخيم أنانيات الفرد والعزف على تناقضاته المتصارعة داخل لاستثمارها كورقة ضغط ذات مردودية في كل العلاقات التي يرتبط بها تجاريا كمستهلك مستلب باستغلاله في تصريف فائض الإنتاج الرأسمالي عبر مجموعة من الضغوط الممارسة عليه. سياسيا بمعاملته كمجرد رقم لا فاعلية له مسلوب الوعي وبلا تصور مستقبلي لدوره . اجتماعيا بتحييده من ساحة الصراع حتى لا ينخرط في أي حركية تعمل على تقويض الأسس والدعائم التي انبنى عليها المجتمع في مرحلة سابقة من الصراع، فالدفاع عن ثبات الوضع يبقى خيارا استراتيجيا لدى الطبقة/الفئة المستفيدة. العلاقات التي لها تأثير على الأخلاق العامة بتفكيكها وخلخلتها وإفراغها من محتواها والدوس على المرجعيات المؤسسة والرافدة لها من دين، أعراف، قيم إنسانية وعقلية... بالتشكيك فيها أو التعامل معها بانتقائية بما يخدم مصالحها ومطامحها بإلغائها أو تأويلها بشكل تعسفي بفرض قراءات لا يمكن للنص أن يتحملها أويستسيغها العقل، باعتماد آليات تهدم الإطار المفاهيمي الأصلي وإحلال مفاهيم أخرى منصاعة طيعة وفي المتناول في كل وقت، مفرغة من بعدها الإبستمولوجي، قائمة بدورها، المخرجة له على أحسن وجه لانبنائها على أسس أيديولوجية تبتغي خلق تبريرات بتسويغ تحوير الواقع بما يتماشى ومصالح الطبقة/الفئة الواقفة وراءها بعيدة كل البعد عن القراءات العلمية الموضوعية الواعية الهادفة إلى خدمة الإنسان وتعميق معرفته بقيمه ووجوده، وأبعاد جدوى رسالته في الكون، علائقه المختلفة التي ينخرط ضمن نسقها العام بما يخدم وجوده واستمراريته ككائن ذي خاصيات خاصة عن الكائنات الأخرى، السامي عنها بإنسانيته رغم ما يشتركون فيه من حتميات بيولوجية مكبلة مرغمة للكائن الحي على السير وفق توجهها بينما الإنسان يسعى لتطويعها والسيطرة عليها وتوجيهها بما يرتقي بوجوده . وتتم عملية هدم الأخلاق بإفساد الإنسان وزعزعة قناعاته وقيمه ونشر الفساد بالمجالات التي يتحرك ضمنها، وتؤثر في شروط وظروف عيشه وبقائه بإلزامه بعلاقات أخلاقية غير سوية مبنية على السيطرة والتبعية للقوي، لا محيد فيها للضعيف عن رفضها أو الخروج على حدودها بقولبتها ضمن قوانين ضامنة لديمومتها، فأي محاولة من شأنها خلق تكتل ونشر وعي كفيل بزعزعة الوضع القائم والتبشير بواقع جديد بعلاقات أخلاقية عادلة تجابه بالقمع لوأدها في المهد حتى يرتدع كل من يفكر في التغيير والتوازن . تتوزع إستراتيجية الفساد/الإفساد في مختلف الحقول ذات الارتباط بالإنسان: السياسة كمجال لتدبير الشأن العام والاهتمام بالقضايا اليومية والمستقبلية حيث تسود فيه علاقات الطاعة والخنوع إذا لم يكن مبنيا على علاقات عادلة واضحة من حيث حقوق وواجبات كل طرف بل يستأثر المسيطر بتوجيه الأخلاق وفق مصالحه . الثقافة كمجال لتربية الإنسان والرقي به وإنتاج القيم وبناء الضمير الفردي والجمعي والاحتكام له في كل الظروف والإكراهات التي تحد من فاعلية الفرد والجماعة بكل الآليات المغيبة للإبداع الناشرة لقيم الخمول والكسل. اجتماعيا بإشاعة النبذ والإقصاء والظلم والاستغلال . اقتصاديا بالسيطرة على الثروة ومصادرها ووسائل الإنتاج وقطاعاته وتوجيهها والتحكم فيها بالاحتكار واستمراريته لضمان مصالح الطبقة/الفئة المستفيدة باستعمال جميع الأدوات وتوسل مختلف المسلكيات والطرق بغض النظر عن مشروعيتها، أخلاقيتها وقانونيتها، المهم أن تفي بالأغراض المرجوة والرسالة المراد إيصالها إلى الطبقة/الفئة غير المستفيدة الواقفة في طريقها وتهدد مصالحها بهدم الأسس والقيم التي تبرر وتسوغ بها مشروعها ووجوده وزبائنه والمنتفعين منه مع ضمان ولائهم المستمر . كخلاصة لما سبق إن الأخلاق تبقى ساحة صراع هامة بين مختلف الفرقاء سواء المستفيدين الحاملين للواء الدفاع عن الوضع القائم على أكثر من صعيد، وغير المستفيدين الرافعين للواء التغيير والإصلاح كما تحمل داخلها عوامل هدمها بنفسها عبر مختلف فترات الصراع بالعمل على إفساد الخصم والتشكيك في مرجعياته الأخلاقية للانقضاض عليه وأسره ضمن علاقة أخلاقية غير عادلة.