عاش حزب العدالة والتنمية بفاس خلال الأسبوعين الماضيين أكثر من صدمة بعد أن تخلى عنه بعض مستشاريه، وقرروا الالتحاق بأغلبية العمدة شباط، أبرز خصوم حزب الإسلاميين، ليس فقط على الصعيد المحلي، بل على الصعيد الوطني. وبالرغم من أن حزب العدالة والتنمية كان يسارع في كل مرة إلى إعلان حالة الطرد في حق هؤلاء المستشارين، فإن انعكاسات خطوة هؤلاء المستشارين على هذا الحزب طغت على نقاشات الصالونات بالمدينة. فقد قرر محمد الجوطي العمراني، وكيل لائحة حزب العدالة والتنمية بمقاطعة أكدال بمركز المدينة في انتخابات 12 يونيو، أثناء عملية انتخاب عمدة فاس يوم السبت 20 يونيو الجاري، عدم مغادرة قاعة الاجتماعات التي احتضنت جلسة الانتخاب، إسوة ب»إخوانه» في الحزب والذين قرروا ب18 مستشارا أن ينسحبوا احتجاجا على ما أسموه باستعمال المال في الحملة الانتخابية وتواطؤ السلطة مع الاستقلاليين. وفضل هذا المستشار أن يصوت لفائدة إعادة انتخاب شباط للمرة الثانية عمدة للمدينة. وفي زوال ذات اليوم اجتمعت الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية وقررت طرد هذا المستشار من صفوف الحزب. وكان آخر ظهور لهذا المستشار/ المقاول مع رموز العدالة والتنمية يعود إلى أواسط الحملة الانتخابية، حيث ظهر في التجمع الذي ترأسه البرلماني لحسن الداودي. واتهم العمراني وهو يخطب في جموع الحاضرين في هذا التجمع مسيري الشأن المحلي بالفساد والمفسدين، لكنه اختار بعد ذلك أن يصوت لصالح الأغلبية ذاتها بتعديلات طفيفة. وبرر هذا الاختيار، في نقاشات له مع أطر العدالة والتنمية، بكونه تلقى ضغوطات عائلية. فيما قال هؤلاء في ندوة صحافية إن المروءة يجب أن تدفعه إلى التخلي عن صفته لأنه نجح باسم العدالة والتنمية. وفي يوم الخميس الماضي تلقى حزب العدالة والتنمية طعنة أخرى من أحد مستشاريه بمقاطعة سايس. وكان الحزب يراهن، وبالتحالف مع كل من الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي، على تسيير هذه المقاطعة وسط منطقة «يهيمن» عليها حزب الاستقلال. لكن عبد الله الحميدي، وهو مستشار نجح في لائحة الحزب غير من الخريطة عندما قرر عدم التصويت لصالح سعيد الحميدة، الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية ومرشح الأحزاب الثلاثة لرئاسة هذه المقاطعة، مفضلا التصويت لفائدة حميد فتاح، مرشح حزب الاستقلال. وكان تصويت هذا المستشار هو الذي رجح كفة الاستقلاليين وسط ذهول القاعة. وكانت شكوك الإسلاميين تحوم حول مرشحهم السابع في لائحة هذه المقاطعة، إلا أن تطميناته لهم جعلتهم يعتقدون أنهم سيلحقون، هذه المرة على الأقل، الهزيمة بأغلبية العمدة شباط. وقبل بدء عملية التصويت فضل هذا المستشار الذي يعمل في مجال التجارة ألا يجلس في نفس الصف الذي جلس فيه حلفه، والتحق بصف الاستقلاليين. وبلغ غضب الإسلاميين قمته عندما خرج هذا المستشار من المعزل وعاد إلى مقعده وبيده بطاقة حزبه الذي لم يصوت عليه. وسار أنصار الإسلاميين في مسيرة إلى بيته، واتهمته شعارات رددوها بخيانة الأمانة. وقررت الكتابة الإقليمية للحزب طرده. ولم تكن هذه الانتخابات الجماعية أول انتخابات يتلقى فيها حزب العدالة والتنمية بفاس مثل هذه الطعنات من ذويه. فقد مكنت الانتخابات الجماعية ل2003 هذا الحزب من ترؤس مقاطعة سايس، وقرر أن يدخل في أغلبية العمدة شباط، إلا أن هذا التحالف لم يدم طويلا. وعندما عمد إلى فك الارتباط رفض رئيس هذه المقاطعة، حميد فتاح أن يلتزم بالقرار، وبقي مناصرا لحزب الاستقلال، وعجل الوضع بطلاق أبدي بين هذا الحزب وأحد مؤسسيه على الصعيد الجهوي. وكان هذا الطلاق من بين «اللعنات» التي ظلت تطارد الحزب إلى حد الآن. فحميد فتاح، والذي أعيد انتخابه رئيسا لمقاطعة سايس باسم حزب الاستقلال، كان أول كاتب جهوي لحزب العدالة والتنمية بفاس. وقبل ظهور الحزب إلى حيز الوجود مر بجل التجارب التي مر بها الأمين العام الحالي للحزب، عبد الإله بنكيران. فقد كان من نشطاء الشبيبة الإسلامية، قبل أن يتخلى عن الانتماء إلى هذا التنظيم السري الإسلامي، وعاد رفقة إسلاميين آخرين للتنظير وللعمل العلني من داخل المؤسسات، وانتمى إلى حركة التوحيد والإصلاح، لكن رياح السياسة تجري بما لا تشتهيه السفن. وظلت أسباب الطلاق بين الحزب وأحد رموزه إلى حد الآن مجهولة. ففي الوقت الذي يتحدث فيه بعض نشطاء الحزب عن توصل الطرفين إلى حل وسط يقضي بتقديم الاستقالة نتيجة ارتكابه أخطاء في تسيير المقاطعة، يتحدث مقربون من رئيس هذه المقاطعة عن تخليه عن الحزب بسبب وقوف بعض القيادات أمام ترشيح هذا الأستاذ الجامعي بجامعة القرويين بفاس لمنصب سفير في إحدى الدول الإسلامية. وقبل أن يلتحق فتاح، رسميا، قبل انتخابات 12 يونيو بحزب الاستقلال، حاول حزب الأصالة والمعاصرة أن يقنعه بأهمية الالتحاق به، لكن دون جدوى، فيما لم ينجح هو في إقناع بعض رموز الاتحاد الاشتراكي، على الصعيد الوطني، بأهمية الالتحاق بحزب الاتحاد الاشتراكي. وحكى مقربون منه أنه وضع بين يدي محمد اليازغي، عضو المكتب السياسي للحزب، نسخة من سيرته الذاتية تتكون من 22 صفحة، لكن دون جدوى. وبالرغم من هذا الطلاق بين الطرفين، فإنهما أعلنا الهدنة بشكل تلقائي، لكن الأحداث التي واكبت انتخاب العمدة ورؤساء المقاطعات عجلت بانتهاء هذه الهدنة. فبعض مسؤولي حزب الإسلاميين لا يترددون في توجيه تهمة الوقوف وراء جر مستشاريه إلى صفوف أغلبية شباط إلى كاتبهم الجهوي الأسبق حميد فتاح. كما أن بعضهم يتحدث عن أن الحزب يتوفر على أدلة تدينه بالوقوف وراء 13 انسحابا كان الحزب قد شهدها في الآونة الأخيرة. وإلى جانب هؤلاء المستشارين، كان حزب الإسلاميين قد قرر طرد مستشار جماعي آخر في صفوفه في الولاية الجماعية السابقة، وذلك بعد خلاف حول بقع أرضية كان العمدة شباط قد حاول توزيعها كهدايا على مستشاريه. وأعاد جل مستشاري العدالة والتنمية وصولات هذه البقع، وقال الحزب إن رفض المستشار رشيد ياسين التخلي عن هذا «المكسب» هو الذي دفع به إلى إبعاده عن صفوفه. وبقي المستشار رشيد ياسين، وهو أستاذ للتعليم الثانوي ومراسل صحافي، في أغلبية العمدة شباط. وقد تمكن مرة أخرى من الفوز في الانتخابات الحالية والعودة إلى المجلس الجماعي لتعزيز نفس الأغلبية، لكن هذه المرة باسم جبهة القوى الديمقراطية. وإلى جانب فوزه، فقد فازت لائحته بالمدينة القديمة بأربعة مستشارين، اثنين منهم استطاعا المرور إلى المجلس الجماعي. وإلى جانب هؤلاء المستشارين الذين أصبحوا يشكلون أغلبية حزب الاستقلال، تخلى بعض أطر العدالة والتنمية عن حزبهم، وفضلوا مناصرة العمدة شباط. وضمن هؤلاء، غادر سعيد سامي، وهو أحد المشرفين على التواصل في حزب الإسلاميين، للمساهمة في خدمة الصورة الإعلامية للعمدة شباط. ويشرف سامي، وهو أستاذ للتاريخ بمركز تكوين الأساتذة بفاس، على موقع «شباط أونلاين»، كما يشتغل كمراسل لجريدة «العلم»، الناطقة بلسان حزب الاستقلال.