بعد تفعيل إصلاح الجامعة الذي استمر لما يقرب من 7 سنوات، تجدد الحديث عن برنامج استعجالي داخل نفس المؤسسة. وفي الوقت الذي يعتبر فيه البعض بأن طلاب الجامعة أصبحوا فئران تجارب لمشاريع إصلاحية متواصلة، لم تتمكن من إعادة المصداقية للشهادات المحصل عليها ولا من تمكين الطلبة من الاندماج في سوق الشغل ولا من تشجيع البحث العلمي، فإن عبد الرحمان طنكول، عميد كلية الآداب ظهر المهراز بفاس، يدافع عن إيجابيات الإصلاح ويقول إن مشكل ربط الطالب بسوق الشغل يعود إلى مقاومة بعض المقاولات وتخوف البعض الآخر من الجامعة. في هذا الحوار يناقش هذا المسؤول الجامعي، بنبرة تفاؤلية، قضايا أخرى ترتبط بالبحث العلمي وتراجع الجامعة عن تخريج نخب للمجتمع. - كيف يقيم عبد الرحمان طنكول، كأستاذ ومسؤول جامعي، الواقع الحالي للجامعة المغربية في ظل ما عرفتi من إصلاحات؟ < أعتقد أن ما يعطي المشروعية لهذا التساؤل هو أننا بصدد وضع برنامج استعجالي على السكة، ليس فقط على مستوى جامعة محمد بن عبد الله بفاس، وإنما أيضا على المستوى الوطني، حيث إن كل الجامعات قدمت مشاريعها في إطار هذا البرنامج من أجل توفير الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستيكية بهدف تحسين وضعية التعليم الجامعي والارتقاء به إلى المستويات التي نبتغيها جميعا. وفي هذا السياق أيضا، تم عرض تقرير هام مؤخرا بالرباط حول وضعية البحث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية في المغرب، وخاصة البحث الجامعي الذي يقوم به الأساتذة في هذه المجالات. وإذا أردنا أن نقوم بتقييم للإصلاح، فإنني أعتقد أن الإصلاح الذي تم منذ سنة 2003 جاء بتصور جديد لما ينبغي أن تكون عليه الجامعة على الصعيد الوطني، خاصة أنه حاول أن يربط الجامعة بمختلف الجامعات العالمية وخاصة الجامعات الأوروبية. - ألا ترون بأن الإصلاح لم ينجح في تحقيق الربط بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي، بالرغم من أن هذا التطلع كان من دوافع هذا الإصلاح، كما لم يمكن من إعادة المصداقية للشهادات المحصل عليها، والتي توصف بالشهادات الفارغة، ولم يمكن من امتصاص النسبة المرتفعة للبطالة؟ < هذا في الحقيقة مشكل يتجاوز الجامعة. فالجامعة ليس من مهامها توفير الشغل بالنسبة لطلبتها. الجامعة تكون الطالب في إطار مسار أكاديمي وفي إطار مجال علمي ومجال البحث وتحاول أن تمد الطالب بأدوات منهجية وكفاءات ضرورية ومهارات تساعده على الانخراط في سوق الشغل، والمشكل هو أن الأداة الرافعة للاقتصاد في المغرب، وأعني بذلك المقاولات والشركات، مع الأسف لم تنخرط بعد في هذه الفلسفة الجديدة التي انخرطت فيها الجامعة. وعلى المقاولات وكثير من القطاعات العامة أيضا أن تبني الجسور مع الجامعة حتى تكتمل الحلقة وحتى نرفع كل الحواجز والمعيقات التي تجعل الطالب يشعر بالتذمر بعد أن يتخرج من الجامعة ويجد نفسه في وضعية عاطل بعدما كان طموحه الخروج بشهادة تتوفر على المصداقية فيما يخص الجانب الأكاديمي والبحث العلمي، ولكن مع الأسف، وبالرغم من المجهود الجبار الذي تقوم به الجامعة، فإن المؤسسات الأخرى لم ترق إلى مستوى رفع التحدي وكسب الرهان. ونحن نقوم بجهد كبير لوضع اتفاقيات وربط شراكات مع كل مكونات القطاع الخاص والقطاع العام، حتى نجد الفضاءات الملائمة لكي يتدرب الطلبة ويكتسبوا أشياء أخرى داخل هذه المؤسسات. هناك حلقة ضائعة مع الأسف لم نستطع كمجتمع، وليس كجامعة، أن نبنيها ونعززها. هذا مع العلم أن للمغرب طاقات في جميع الميادين، في الفلاحة والصناعة والمقاولة، التي تسمح باستقطاب كل الطاقات الفاعلة داخل المجتمع وخاصة الشباب الجامعي. والمغرب لا يعاني من أزمة، رغم الأزمة العالمية، فقط هناك إشكال مرتبط بالحكامة وتدبير الموارد واستراتيجية التنمية ومشروع المجتمع الذي نريده لبلادنا. وفي اعتقادي, هذه الإشكالات لا يمكن للجامعة، كيفما كانت إرادتها، وكيفما كانت الإمكانات التي تتوفر عليها، بأن تتغلب عليها وأن تضمن للطلبة منصبا للشغل واندماجا داخل المجتمع. - وبماذا تفسر عدم تفاعل محيط الجامعة مع هذه المجهودات؟ < المقاولة الآن في مرحلة اكتشاف هذا التحول الذي تعرفه الجامعة. وهذه العلاقة التي تبنيها الجامعة الآن مع المقاولة ومع مختلف قطاعات التنمية هي أيضا جديدة. وأعتقد أنها ستأتي أكلها. وكل أشكال المقاومة أو أشكال التخوف التي قد تشعر بها المقاولة ربما ستمحي مع التطورات التي يعيشها المغرب وتعيشها الجامعة، وخير مؤشر على ذلك هو أنه في إطار المشاريع الكبرى التي فتحتها الدولة ك«انبعاث» أو مثلا تكوين 3000 طبيب كل سنة أو مشروع المساعد الاجتماعي ومشروع 10 آلاف مهندس، كلها مشاريع ستجعل الجامعة تقترب أكثر من المقاولة ومن مختلف القطاعات التي تعتبر رافعة للتنمية وستعزز الثقة بين هذه المكونات. وبفضل هذه المشاريع سنتغلب على هذه المعيقات، وهذا سيأتي بالتدريج. وهناك كذلك مشاريع على صعيد الجهات. فعلى صعيد فاس هناك «الأفشورينغ» الذي تم تدشينه من قبل صاحب الجلالة وهناك مشاريع أخرى ك«فاس تيكنوفالي»، التي ستشكل وعاء تكنولوجيا كبيرا يهم أيضا البحث العلمي وسيفتح أوراشا كبيرة لإدماج الطلبة في المجتمع. - في ظل هذه الأوراش يلاحظ بأن هناك اهتماما أكثر بالعلوم التطبيقية وبالتكنولوجيا، وفي المقابل هناك نوع من الاستخفاف بكليات الآداب والعلوم. ماذا عن مستقبل هذه الكليات؟ < لا أعتقد بأن هناك استخفافا أو حيفا. وأعتبر شخصيا هذه المؤسسات التي أشرت إليها بمثابة قاطرة للتنمية، ودورها هو أن تجر معها مختلف المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح والآن بدأنا على صعيد جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفتح قنوات التعاون بين مختلف هذه المؤسسات ونحاول أن ندبر تطور جامعتنا في إطار تصور منفتح على المجتمع تنخرط فيه جميع مكونات الجامعة. وهذا في رأيي عنصر هام يدل على تحول الجامعة المغربية وعلى الأهمية التي توليها لربط العلاقة مع المكونات الرافعة للتنمية. - وما وضع البحث العلمي في هذا البرنامج الاستعجالي للجامعة، في سياق متسم بتراجع البحث العلمي في هذه المؤسسات التعليمية بشكل يصفه البعض بالمهول؟ < كما قلت، فالجامعة بكل مكوناتها تبذل قصارى جهدها لربط الجسور مع مكونات المجتمع وتساهم في إعطاء الطالب المهارات والكفاءات التي تسمح له بالانخراط في سوق الشغل، وبالإضافة إلى ذلك، فإن من مهام الجامعة بكل مكوناتها هو أن ترقى بالبحث العلمي إلى أعلى المستويات وأن تقدم الجديد في هذا المضمار. وجامعتنا رغم ما يقال عن وضعية البحث العلمي على الصعيد الوطني، وبناء على التقييمات التي تمت من قبل مؤسسات محايدة خارجية أو من قبل مؤسسات وطنية، تحتل مرتبة مشرفة جدا، سواء فيما يخص النشر أو فيما يخص تقديم مشاريع ذات ارتباط بالتنمية, والتراجع الذي تتحدث عنه والذي وقفت عليه الوزارة أيضا، من خلال بحث أنجزه فريق انكب على وضعية البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، راجع لعدة أسباب ولا يمكن أن نفسره فقط بضعف الإمكانيات أو بنوع من غياب الإرادة لدى الأستاذ الباحث. فالبحث العلمي ينمو بتوفر عدة شروط ترتبط بوسائل إنتاج البحث كالمختبرات وتجهيزها وتوفير شروط الانتقال إلى الميدان من أجل البحث على الميدان. فالأبحاث التي تظل سجينة المكاتب لا تغير من أمر الواقع. وهذا النقص في هذه الأشياء لا بد من التغلب عليه، ولا بد من توفير مكتبات تواكب ما يصدر من مختلف أنحاء العالم. ومكتبتنا ضعيفة لأنها مع الأسف لا تواكب الإنتاج العالمي الحديث. كذلك لا بد من توفير الأقطاب التكنولوجية التي تسمح بالاتصال عبر الأنترنت وعبر مختلف الشبكات الرقمية بمختلف المكتبات العالمية وما تنتجه الجامعات. وهذا أصبح شيئا مهما لتجديد البحث العلمي، ولا بد من توفير الشروط بالنسبة للطلبة، وخاصة طلبة الماستر والدكتوراه، لأنهم المعنيون بالدرجة الأولى بالبحث العلمي، إذ لا يمكن للبحث العلمي أن يقتصر على الأساتذة، والجامعات الكبرى تفتخر بعدد الطلبة الذين يبتكرون ويناقشون رسائلهم. - ولماذا لا يتم توفير هذه الشروط في جامعات أصبحت نسبيا مستقلة من الناحية الإدارية والمالية؟ < كان هناك تقصير. ولا ينبغي أن نستند إلى لغة الخشب. لم تكن هناك سياسة ولم تكن هناك استراتيجية تنموية في مجال البحث العلمي لأن البحث العلمي ينبغي أن يتحدد وفق منظور ووفق أولويات. والآن أصبح من الضروري توفير الإمكانات وتوفير تقييم. لا ينبغي أن نعطي الإمكانات دون القيام بتقييم مصاحب. يجب تحديد الأهداف المراد تحقيقها وأن نقيمها حتى ننتقل إلى أهداف أخرى. والبحث العشوائي كيفما كانت قيمته العلمية لن يحقق الأهداف المنشودة، وعلينا أن نحدد استراتيجية واضحة المعالم. وعلى صعيد جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فكل المؤسسات مقتنعة بهذا التصور ومنخرطة فيه. والمشروع الذي قدمته رئاسة الجامعة إلى الوزارة يضع في صلبه هذا الحرص على تحقيق بحث علمي مواكب لقضايا المجتمع ومفيد للمجتمع وينبني على أولويات. الآن هناك إرادة قوية على مستوى الوزارة وعلى مستوى الجامعات من أجل الرفع من إنتاج البحث العلمي في جميع التخصصات وهناك رغبة في ربط هذا البحث بانتظارات المجتمع وبحاجياته وفي اعتقادي فالبحث الذي لا يؤدي وظيفة لا قيمة له.