تشهد مدينة الدارالبيضاء خلال السنتين الأخيرتين انطلاق عدة أوراش وخلق أقطاب ومشاريع حضرية كمشروع أنفا الذي يعتبر القلب النابض الجديد للمدينة، وبالموازاة مع هذه الأوراش ما زالت عدة مشاريع تقبع في غرف الإنعاش خصوصا مشروع المحج الملكي الذي طال انتظاره منذ 10 سنوات، ويهم، على الخصوص، إعادة هيكلة أقدم أحياء مدينة الدارالبيضاء. من هو الرئيس المقبل لمجلس مدينة البيضاء؟ وكيف سيكون عليه مكتب المجلس؟ ذلك هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل المتتبعين للشأن البيضاوي لمعرفة الفريق الذي سيتولى حل المشاكل التي يتخبط فيها سكان المدينة. ففي الوقت الذي يدافع فيه عمدة المدينة عن حصيلة المجلس, التي يعتبرها مشرفة بالنظر إلى الأوراش التي أعلن عن انطلاقتها خلال السنتين الأخيرتين، من خلال خلق ما أسماه بالتوزان العمراني والاجتماعي بين شرق وغرب المدينة، تعتبر المعارضة أن ما تم تحقيقه بالمدينة لا يد لمكتب المجلس فيه, بل هو ثمرة إرادة ملكية وأن جل المشاريع الكبرى تحققت بفضل تدخلات من الملك محمد السادس. المشكل الحقيقي الذي تعيشه المدينة هو تعدد المتدخلين (مجلس المدينة، مجلس الجهة، مجلس العمالة) بالإضافة إلى تدخل سلطات الوصاية، عن طريق الوكالة الحضرية، وهذا ما يجعل المشاريع في غالب الأحيان تخضع لمساطر متعددة ومعقدة في حالة تدخل المجالس في مشروع واحد. وهذا ما يجعل هذه المجالس تحاول أن تدرج المشاريع التي أنجزت ضمن المنجزات الحقيقية للمجلس. من أهم المشاريع التي يفتخر العمدة محمد ساجد بإنجازها والتي كانت عبارة عن حلم راود الساكنة البيضاوية طيلة الثلاثين سنة الماضية إعطاء الانطلاقة للخط الأول من مشروع «الترامواي»، حيث تمكن المجلس بفضل الدعم الذي تلقاه من طرف الملك محمد السادس من إخراج هذا المشروع الذي يمتد على مسافة 30 كيلومترا إلى حيز الوجود، وينطلق من سيدي مومن، مرورا بأهم المناطق التي تشهد كثافة سكانية بالبيضاء. ويعتبر ساجد أن هذا المشروع «سيلعب دورا كبيرا في القيام بتغيير جذري وهيكلي في ما يتعلق بإعادة هيكلة المجال الحضري للفضاءات والشوارع التي يمر بها»، كما سيتم استغلال أشغال خط «الترامواي» بشارع محمد الخامس لإعادة هيكلة هذا الشارع التاريخي والرمزي لمدينة البيضاء وكذا شارع عبد المومن، وتهم الأرصفة وأماكن مرور الراجلين والتشجير والمساحات الخضراء والإنارة العمومية. مشروع «الترامواي» مشروع كبير تطلب إنجازه غلافا ماليا قدره 6,5 مليارات درهم وسيكون جاهزا في 2012. ولضمان نجاح المشروع لجأ المجلس إلى تأسيس شركة «كازا ترانسبور» برأسمال عمومي تساهم فيه الدولة عبر صندوق الحسن الثاني والجماعة، لكن طريقة تدبيرها خاصة، و«ستمكننا الشركة من اجتناب تعقد المساطر الإدارية التي غالبا ما تؤخر إنجاز المشاريع في الوقت المتفق عليه وفي أحسن الظروف» يقول ساجد. من أهم الصعوبات التي تقف حاجزا في وجه المجلس القادم هي القدرة على تعبئة الموارد المالية الكافية لإنجاز المشاريع المبرمجة، فقد سبق للمعارضة أثناء التصويت على الحساب الإداري برسم السنة الماضية، خلال دورة المجلس لشهر فبراير الماضي، أن أنتقدت الوضعية المالية لمجلس المدينة حيث تسلم المكتب من المجالس الجماعية السابقة ما يزيد عن 464 مليار سنتيم، منها 131 مليار سنتيم سنة 2003، و186 مليار سنتيم بميزانية التسيير كمداخيل حقيقية، والباقي يناهز ما مجموعه 147 مليارا كمداخيل غير محصلة، لكن الوضعية المالية الحالية من خلال الحساب الإداري للسنة الماضية تسجل عجزا يقدر بحوالي مليارين من السنتيمات، كما سجلت المعارضة ارتفاع الباقي استخلاصه من 147 مليار سنتيم سنة 2003 إلى 155 مليارا خلال السنة الماضية. واعتبرت أن جل المشاريع الكبرى جاءت تنفيذا لقرارات عليا وليس من تخطيطات ومبادرات مجلس المدينة، حيث إن المجلس لم يتمكن من رصد الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذها، فحجم الاستثمارات المرتقبة يزيد عن 400 مليار سنتيم, في الوقت الذي لا يتعدى حجم الادخار السنوي 10 مليارات سنتيم. وفي الوقت الذي يعتبر المكتب الحالي للمجلس أن طريقة التدبير المفوض هي إحدى الطرق الأساسية لإنجاز المشاريع الكبرى ولتوزيع الخدمات بشكل عادل على كل سكان المقاطعات بالمدينة، انتقدت المعارضة انغماس المكتب الحالي للمدينة في سياسات تفاعلية مع التدبير المفوض كطريقة وحيدة لحل كل الأزمات العالقة والمستعجلة في مجالات متعددة كالماء والكهرباء والصحة والنقل الحضري، ويعتبر مشكل «الممتلكات العقارية الجماعية» من بين النقط التي تشهد نقاشا ساخنا بين مكونات المجلس، أغلبية ومعارضة، طيلة الست سنوات الماضية والتي كان لا يوقفها سوى تدخلات ممثل الداخلية الذي كان يحاول في كل دورة تقديم تقرير عن الخطوات التي تم القيام بها في الفترة الفاصلة بين الدورة، حيث طالبت المعارضة بلائحة هذه الممتلكات، وبمعرفة الأسباب الحقيقية التي حالت دون إنجاز سجل خاص بالممتلكات والعقارات الجماعية، حيث يبلغ الوعاء العقاري للأملاك المبنية وغير المبنية للمدينة، بغض النظر عن الطرق العامة, ما يفوق 1097 هكتارا، حوالي 11, في المائة منها عارية. عجزت المصالح المالية بمجلس المدينة عن استخلاص ما مجموعه 155 مليارات سنتيم، على الرغم من ارتفاع المداخيل الجبائية من 198 مليار سنتيم سنة 2007 إلى 203 مليارات سنتيم برسم السنة المالية 2008، من بينها ما يزيد عن 242 من المداخيل المتعلقة بحق الامتياز في النقل الحضري، فيما يصل المبلغ الباقي استخلاصه من الرسم المفروض على شغل الأملاك الجماعية إلى 227 مليون سنتيم، ومنتوج محطات وقوف الدراجات والسيارات حوالي 160 مليون سنتيم. وتبقى دار الخدمات المصلحة المكلفة بمنح الرخص التجارية على رأس القطاعات التي ضخت في خزينة المدينة ما مجموعه 1,25 مليون درهم بنسبة 27 في المائة، يليها سوق الجملة للخضر والفواكه ب1,10 مليون درهم (24 في المائة)، فيما احتلت المجازر البلدية الصف الرابع بنسبة 9 في المائة بعد مقاطعة سيدي بليوط التي تساهم في مداخيل المدينة بنسبة 10,5 في المائة، تليها كل من المجموعة الحضرية سابقا ومقاطعات المعاريف وأنفا وعين الشق، وتبقى مساهمات كل من مقاطعات سيدي عثمان والفداء والحي المحمدي ومولاي رشيد وليساسفة وابن امسيك واسباتة دون المستوى المطلوب، ولم تتجاوز نسبة مساهمات هذه المقاطعات في مالية المدينة مجتمعة حوالي 7 في المائة.