«إني اخترتك يا وطني حبا وطواعية، إني اخترتك يا وطني سرا وعلانية». يتعالى صوت المغني اللبناني مارسيل خليفة من أحد الحوانيت المتواجدة بحي شعبي ببوركون. الدكان ليس محل بيع الأغاني أو الأشرطة أو الأقراص المدمجة، وإنما هو المكان الذي اختارته مرشحة حزب العدالة والتنمية بسيمة الحقاوي مقرا لحملتها الانتخابية بمقاطعة آنفا بالدارالبيضاء، حيث تنتظرها معركة شرسة ضد مرشحة حزب الاستقلال ووزيرة الصحة ياسمينة بادو. وعلى بعد خطوات قليلة جدا يوجد مقر حملة مرشح حزب الأصالة والمعاصرة، في حين فضل حزب النهضة والفضيلة تعليق لافتة أمام واجهة أحد الدكاكين المقابلة لمقر حملة العدالة والتنمية. الساعة تقارب الخامسة مساء من يوم الخميس (4 يونيو 2009). تقاطر أعضاء حزب العدالة والتنمية والمتعاطفون معهم، على مقر الحملة الكائن بحي بوركون. المقر صغير جدا، فعرضه لا يتعدى مترين وطوله متران ونصف، يحوي خمسة كراسي، وطاولة وضع عليها حاسوب. على الجدران علقت بعض الملصقات الخاصة بصور مرشحي الحزب بالمنطقة سواء باللائحة العادية أو اللائحة الإضافية. أما على جانب آخر من الجدران، فعلق ملصق يتضمن صورة للدكتور عبد الكريم الخطيب الذي كان له الفضل الكبير في تشكيل حزب العدالة والتنمية. ذلك الملصق أعد في ذكرى التأبين الذي نظمته العدالة والتنمية خلال المهرجان المنظم بالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط في الثلاثين من نونبر 2008. وعلقت أيضا خريطة المقاطعة مع تحديد دقيق للمناطق التي تتشكل منها مقاطعة آنفا: حي العنق، والحي الغربي، وحي التساهل، وحي بدر، وبوركون، ولهجاجمة، وفران الجير، ومولاي إدريس فيلودروم، ومنطقة الفيلات آنفا، ودواوير عين الذياب، وأخيرا عمارات وفيلات البيروني. وبجانب هذه الخريطة، وضعت جدول البرنامج اليومي للحملة الانتخابية. في هذا اليوم (الخميس)، خصصت حصة صباحية للقيام بجولة بمنطقة العنق، وجولة ثانية بحي بدر تم فيها توزيع المنشورات على عمارات هذا الحي. أما خلال الفترة المسائية، فقد اختار الحزب أن يقوم بحملته الانتخابية بمنطقة لهجاجمة وفران الجير، وهي من بين المناطق الأكثر كثافة سكانية وكذلك الأكثر فقرا في دائرة آنفا. تدخل بسيمة الحقاوي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية والعضو بمجلس النواب، في مشاورات مع عبد الرحمان باي الذي يأتي في المرتبة الثانية باللائحة العادية، ولحسن الفصاص (أستاذ) الذي يحتل المرتبة الثالثة في اللائحة، من أجل وضع آخر الترتيبات والاستعداد للخروج. الساعة السادسة مساء، تخرج حملة بسيمة الحقاوي في مسيرة من المقر ببوركون إلى لهجاجمة. تتقدم الحقاوي رفقة بعض مرشحي الحزب ووكيلة اللائحة الإضافية الصيدلانية زينب الرايس. تجوب المسيرة الشوارع والأحياء، توزع المنشورات على الراجلين، على السائقين، على رواد المقاهي، وتتعالى في السماء الشعارات عبر مكبرات الصوت: «صوتك أمانة، لا تعطيه لمن والا»، «عدالة، أصالة وتنمية». ترسم بسيمة ابتسامة عريضة تتوسط وجها صارما ينم عن جدية. تحاول أن تقترب من الناس، تمدهم بمنشور يحمل صور المرشحات، وآخر به صور المصباح (رمز حزب العدالة والتنمية)، وتقول «صوتوا على المصباح، رمز الشفافية». «في حملتنا لا نقدم وعودا، ولا نكذب على الناس. خطابنا واضح: إذا كان لك حق في الجماعة سندافع عنه، وإذا أراد شخص شفاعة حسنة سنقدمها له»، يقول لحسن الفصاص الذي يشغل أيضا مدير الحملة الانتخابية بالمقاطعة. ويضيف قائلا «نتفادى، في حملتنا، المواجهات مع الغير، نحاول أن تكون حملتنا سليمة نقية. إذا عرفنا أن منطقة ما سيصوت لفائدة مرشح ما، فإن نقوم بالحملة فيها ولكن في حدود. لا نريد المواجهة مع أي كان. كما أننا نعمل على انتقاء خيرة الشباب من أجل القيام بحملة نقية». لأول مرة يتقدم فيها حزب العدالة والتنمية للانتخابات الجماعية بهذه المقاطعة. خلال انتخابات 2003، كانت مشاركتهم محدودة بعد الحملة التي تعرض لها الحزب عقب تفجيرات مدينة الدارالبيضاء يوم 16 ماي. «ليس لنا سابقة في هذه المقاطعة، لذلك فإننا لا نجد صعوبات مع السكان على غرار باقي الأحزاب. ولكن هناك أشخاص مسيسون يطرحون علينا أسئلة عن بلكورة على سبيل المثال، ونحن نجيبهم»، يقول عبد الرحمان باي. تتبع بسيمة الحقاوي بنفسها دقائق الأمور بتشاور مع مدير الحملة، وتحرص على الحضور بشكل يومي بنفسها في الحملة، والتحدث بنفسها إلى الناس رجالا ونساء، شبابا وكهولا، وزيارة البيوت، تنتقي كلماتها من القاموس العامي المغربي، بلا تكلف، بلا تصنع. «هل تحسين بالتعب؟». ابتسمت بسيمة ربما لأنها لم تكن تنتظر أن يطرح عليها مثل هذا السؤال، ولكنها أجابت دون أن تفارقها تلك الابتسامة: «أنا موالفة على الجري».