لم ينطلق أي حوار فعلي مع معتقلي ما يسمى ب«السلفية الجهادية»، كما حدث ببعض الدول العربية مثل السعودية ومصر، بالرغم من الدعوات المتتالية من لدن العديد من مكونات المجتمع المدني ومن بعض المسؤولين، كانت أولها دعوة الراحل محمد بوزوبع، وزير العدل السابق، الذي صرح بأنه «لم يجد من العلماء من يحاور معتقلي السلفية الجهادية»، وتلا ذلك تعبير العديد من الهيئات الرسمية عن استعدادها لإجراء أي حوار مرتقب مع هذا التيار، بعد وضع شروط لذلك، ومن بين هذه الهيئات الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس العلمي الأعلى. وبالمقابل، أبدى معتقلو «السلفية الجهادية»، في العديد من بياناتهم، استعدادهم الكامل لمجالسة العلماء والحوار معهم. ورغم كل هذا، لم يتم تفعيل هذه النداءات والدعوات المتكررة، باستثناء بعض الخطوات التي قام بها حفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وبعض المسؤولين الأمنيين، إذ التقى مع بعض شيوخ «السلفية الجهادية» خلال شهري نونبر ودجنبر من السنة الماضية، ومنهم عمر الحدوشي، المحكوم ب30 سجنا نافذا، الذي ينتمي إلى مجموعة 86 المدانة بوقوفها وراء أحداث 16 ماي، والذي رفض كتابة طلب العفو لأنه يعتبر نفسه غير مذنب، كما أجري لقاء مع محمد الفيزازي، المحكوم ب30 سجنا نافذا، وحسن الخطاب، المتهم الرئيس في ملف «أنصار المهدي». كما التقى مسؤولون أمنيون هذه السنة بعبد الكريم الشادلي، المحكوم ب30 سنة سجنا نافذا، وتمحور اللقاء حول مواقفه وآرائه، سواء فيما يتعلق بالتكفير أو الملكية. هذه اللقاءات هناك من اعتبر أنها تدخل في إطار «محاولات رسمية لتأسيس مقدمات حوار مفترض ولا يجوز المبالغة في اعتبارها حوارا قائم الذات، وأن الأمر ليس بذلك التبسيط والاستسهال الذي صورته بعض الجهات حتى يتم الإفراج عن شيوخ محكوم عليهم ب20 و30 سنة خلال تلك المدة الوجيزة التي كانت تفصل تلك الفترة من السنة الماضية عن يوم عيد الأضحى. فالقضية بالغة الحساسية والخطورة»، حسب رأي سليم احميمنات، باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط. وبالموازاة مع خطوات بنهاشم، فإن هناك مبادرة تسمى بمبادرة «حرزني»، تمت بلورتها خلال شهر يونيو من السنة الماضية بعد لقاء عقده منتدى الكرامة لحقوق الإنسان مع أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي اقترح أن يحرر هؤلاء المعتقلون إفادات كتابية يتبرؤون فيها من الأعمال الإرهابية، ويوضحون موقفهم من التهم التي أدينوا من أجلها. إضافة إلى تأكيدهم على نبذ تهم التكفير، وبيان موقفهم من الملكية، وهو ما نفذه بعضهم، إذ تقدم المنتدى بأزيد من 70 طلبا لم يتم البت فيها بعد. هذه المبادرات التي تلامس هذا الملف تعرف العديد من التحديات الذاتية والموضوعية، التي ترهن أي تقدم حقيقي يتوخى إحرازه في هذا الموضوع، حسب احميمنات، الذي أجملها في ثلاث نقط رئيسية: - التحدي الأول هوغياب ممثل رئيسي لتيار «السلفية الجهادية» يمكن التحاور معه. - التحدي الثاني يتعلق بتباين معنى ومفهوم «الحوار» بالنسبة للجهات المعنية به. فلا شك أن من يتابع تفاصيل هذا الموضوع سيلاحظ بوضوح أن ما يفهمه المعتقلون من الحديث عن فتح الحوار هو غير ما تفهمه الدولة وتراهن عليه، إذ الأمر بالنسبة للطرف الأول، خاصة من يدفعون ببراءتهم التامة من التهم التي اعتقلوا بسببها، هو بالنسبة لهم نقاش وتفاهم حول شكليات إجرائية ينبغي اتخاذها لتمتيعهم بالعفو ورد الاعتبار لهم. أما بالنسبة للطرف الثاني، فالمسألة جوهرية بالأساس وتتعلق بأطراف «منحرفة» و»ضالة» ينبغي أن ترجع إلى جادة الصواب وتعلن»توبتها»، وبالتالي لا يمكن التقدم بأي خطوة إلا بعد التثبت واستعداد من ضل الطريق لإعلان «مراجعات» في معتقدات وقناعات ترتبط بالثوابت السياسية والدينية للمملكة. - أما التحدي الثالث، فيتعلق بالطرف الرسمي الذي يملك القرار الحقيقي للحسم في هذا الملف، حيث ظهر في مناسبات عدة افتقاد الأجهزة المعنية بهذا الموضوع لرؤية متكاملة ومنسجمة حول الموضوع. ويضيف الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن هناك إكراهات معقدة ومتشعبة تواجه أي مبادرة رسمية تتوخى إيجاد مخرج لهذه القضية، غير أن الشيء الأهم الذي ينبغي التركيز عليه كشرط جوهري لأي مبادرة تبلور في هذا الاتجاه هو أن يدار الحوار المفترض وفق رؤية مركبة تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة أبعاد رئيسية في هذا الموضوع: سياسية- أمنية- دينية. وفي انتظار أي حوار مرتقب، يعتقد سليم احميمنات أنه ينبغي أن تشرك فيه الجهات الأمنية، لأن هذه الجهة هي التي أشرفت على المواجهة الميدانية مع أتباع هذا التيار، إلى جانب الحوار الديني على اعتبار أن العمق الفكري والإيديولوجي لقناعات الطرف الذي تريد الدولة التحاور معه مبني في شموليته وفي تفاصيله على حجج شرعية وعقيدية، وبالتالي من الواجب استثمار المدخل الديني كمنطلق قاعدي لتأسيس أرضية هذا الحوار.