مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - في 1977، وبعد سنتين على تأسيسكم حزب التقدم والاشتراكي، جاء موعد الانتخابات التشريعية. وقد تميزت تلك الانتخابات، التي كانتْ أولَ انتخابات تشارك فيها أنت، بتدخل سافر للإدارة؛ اِحك لنا عن بعض مظاهر ذلك التدخل... بعدما لم أتمكن من المشاركة في الانتخابات المحلية لسنة 1976، لأني كنت في مهمة حزبية بفرنسا، عدت للمشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 1977، كمرشح عن دائرة سلا، في مواجهة السي العربي حصّار عن حزب الاستقلال، والسي عبد الرحمان القادري، رحمه الله، عن الاتحاد الاشتراكي، وآخرين لم أعد أذكرهم... ما أتذكره في تلك الانتخابات هو أن رفيقنا الصيدلي عبد الحفيظ ولعلو «الله يذكرو بخير» ضبط عون سلطة «مقدم» يحمل مجموعة من البطائق يستعملها لترجيح كفة «اللي كانوا باغيين ينجحوه فذيك الانتخابات»... - من هو المرشح الذي كانت السلطة تدعمه وتعمل من أجل إنجاحه في تلك الانتخابات؟ الذي فاز هو السي العربي حصار عن حزب الاستقلال. - ما الذي قام به رفيقكم عبد الحفيظ ولعلو بعدما ضبط «المقدم» يوزع بطائق انتخابية يوم الاقتراع؟ «زيّرو» ثم أخذ منه البطائق... لقد كانت تلك فضيحة ًانتخابية ًخلقت بلبلة وسط الأجهزة الأمنية التي سعت إلى استرجاع تلك البطائق. وقصدنا، أنا والطيب الشكيلي، الذي كان مسؤولا عن فرع الحزب في بسلا، مكتب عامل المدينة... - من كان عامل سلا آنذاك؟ بنجلون، الذي سيصبح لاحقا عاملا على الناظور، إن لم تخنِّي الذاكرة. - هل ذهبتم للاحتجاج عليه؟ نعم، وقد اغتنمها العامل فرصة ليدخلنا إلى مكتب ويحكم إقفاله علينا، فبقينا محتجزين فيه أنا والسي الطيب الشكيلي، إلى أن جاء، مساء اليوم نفسه، السي اللوّاح، الذي كان باشا مدينة سلا، فجبر خاطرنا بكلام طيب، لكننا احتججنا بقوة. وعندما ظهرت النتائج أبانت أنني حصلت على أصوات لا بأس بها، جعلتني أحتل الرتبة الثالثة مسبوقا بمرشحي حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي. - في تلك الانتخابات حصل حزبكم على مقعد وحيد في البرلمان، كان من نصيب علي يعتة؟ نعم. - كان ذلك في إطار «كوطا» الدولة لزعماء الأحزاب؟ ما هي «كوطا الدولة»؟ هي أن يكون لحزب التقدم والاشتراكية عضو واحد في البرلمان!.. - وارد أن هذا كان هو تقدير الدولة لما يستحقه حزبكم، كما قدرت الدولة، في تلك الانتخابات نفسها، ألا يترشح عبد الرحيم بوعبيد في مدينة أكادير، وعندما ترشح ضدا على إرادتها تدخلت لتحول دون فوزه... كل هذه الاحتمالات واردة. - لماذا ينجح علي يعتة، وحده، من بين كل مرشحي التقدم والاشتراكية؟ هذه أسئلة مشروعة... - هل طرحتموها حينها؟ نعم، وإن لم نكن قد طرناحها علانية، فكل واحد طرحها على نفسه. - ألم يسبق لعلي يعتة أن أخبركم بأن السلطة اتفقت معه على عدد من المقاعد، أو غير ذلك؟ لا أبدا. - أقول لك هذا لأن وزير الداخلية حينها (1977) محمد بنهيمة كان قد عرض على الاتحاد الاشتراكي، بحضور ادريس البصري، كاتب الدولة في الداخلية، الحصول على 42 مقعدا، وهو ما رفضه الاتحاد، حسب ما يؤكده محمد الحبابي، الذي يضيف أن حزب الاستقلال قبل بعرض وزير الداخلية... هذا لم يحصل مع حزبنا. - لكن كان واضحا أن حصولكم على مقعد وحيد، من نصيب الأمين العام علي يعتة، فيه ما فيه... تماما. - رغم أنك حصلت في انتخابات 1977 على المرتبة الثالثة بأصوات مهمة، فقد اخترت، في الانتخابات الموالية، لسنة 1984، الترشح في منطقة الغرب؛ لماذا؟ أولا، لست أنا من كان يقرر، بل الحزب؛ ثانيا، أنا لم يكن لي وجود قوي في مدينة سلا، لذلك قبلت الترشح في منطقة الغرب التي اشتغلت فيها منذ الستينيات رفقة المرحوم عزيز بلال. - لم يكن ترشيحك في الغرب يدخل في إطار توزيع الدولة لقيادات الأحزاب على دوائر انتخابية بعينها؟ لا، أبدا. لقد كان الرفاق الفلاحون متسلحين بحماس كبير أثناء الحملة الانتخابية، لأنهم كانوا يساهمون في الحياة السياسية، ويواجهون منافسين أقوياء بمالهم، ثم إن السلطات لم تكن، حتى ذلك الحين، تقبل بأن يصبح التقدم والاشتراكية حزبا موجودا بشكل علني داخل المؤسسات. - في تلك الانتخابات سيحصل المرشحون «الأحرار» (المستقلون) على أغلبية داخل البرلمان، وسيؤسس بهم حزب التجمع الوطني للأحرار في 1978... نعم. - لقد تصديتم أنتم وحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي لهذا الوافد الجديد، ووصفتموه بالحزب الإداري وحزب الدولة؟ اعتبرناه حزبا إداريا أكثر مما هو حزب الدولة، لأن الدولة، بعد مدة، لم تعد راضية عليه وعلى رئيسه فأحدثت انشقاقا داخله، ليخرج من صلبه «الحزب الوطني الديمقراطي» الذي سيعرف باسم «العروبية»... - هل شقت الدولة التجمع الوطني للأحرار بعدما لاحظت أنه أصبح يتقوى؟ بدون شك، بالرغم من أن التجمع الوطني للأحرار لم يكن «قوي بزاف» في الميدان.. يمكن أن نقول إنه كان ذا نفوذ لأنه كان يضم عددا من البارونات.. البارونات بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي أشخاص لهم مكانة وجاه وجذور اجتماعية قوية تجعلهم يبسطون نفوذهم على عدد كبير من الفلاحين؛ لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيا، فالتناقضات داخل الحزب سرعان ما ظهرت، ما بين أطر الإدارة المركزية والمقاولات، وبين بعض أصحاب الجذور الفلاحية، وإن كان بعض الفلاحين قد مكث في الحزب رفقة السي احمد عصمان.