مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - ما هي أبرز الأسماء التي التحقتْ، إلى جانبك، باللجنة المركزية للحزب الشيوعي، خلال مؤتمره الثالث المنعقد في يوليوز 1966؟ عمر الفاسي والطيب بن الشيخ، وربما عبد العزيز بنزاكور، وآخرون. - ما حكاية أن الحسن الثاني زار منزل خالك الدكتور عبد الكريم الخطيب في نفس يوم المؤتمر؟ فعلا، وقد كنت أنا بدوري موجودا في بيت خالي الدكتور الخطيب لدى استقبال الحسن الثاني، لكنني كنت في الكواليس، قبل أن أغادر شطر المؤتمر. - ماذا كان سبب تلك الزيارة؟ لا أدري. لا تنسَ أن العلاقة بين الحسن الثاني والدكتور الخطيب كانت قد توترت في مرحلة من المراحل، فلا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الدكتور الخطيب رفض، في سنة 1965، إعلان الحسن الثاني حالة الاستثناء (إعلان حلّ البرلمان الذي كان يرأسه الدكتور الخطيب في خطاب يوم 7 يونيو 1965)، مما انعكس سلبا على علاقته بالملك؛ ولربما كانت زيارة الحسن الثاني تلك (في يوليوز 1966) بغرض إعادة الدفء إلى تلك العلاقة... - بالرغم من أن الحسن الثاني قلما كان يزور أحدا في بيته... «ما نْعرفْ».. لقد كان الحسن الثاني داهية. - تلك الزيارة تؤكد المكانة الكبيرة التي كانت للدكتور الخطيب لدى الحسن الثاني... مكانة الدكتور الخطيب وكذلك مكانة عائلته، فللا مريم (ابنة الصدر الأعظم الكباص ووالدة الدكتور الخطيب وجدة مولاي اسماعيل العلوي لأمه) كان تحظى بتقدير كبير من لدن الحسن الثاني. - لأنها كانت صديقة والدته للا عبلة؟ نعم، وبالإضافة إلى أنها كانت صديقة والدته، فقد كان للحسن الثاني عطف متميز عليها. - ما حكاية أن جدتك للا مريم الكباص اصطدمت، في يوم من الأيام، خلال زيارتها للقصر الملكي، بالجنرال مولاي حفيظ العلوي (وزير القصور والتشريفات والأوسمة)؟ لا علم لي بهذا، لكنْ من غير المستبعد حدوثه، خصوصا وأن جدتي للا مريم كانت صاحبة شخصية قوية ولم تكن تخشى الاصطدام بأي كان. - لنعد إلى الحزب الشيوعي. بعد عودتك إلى المغرب وانتخابك عضوا باللجنة المركزية للحزب، تكلفت بالاشتغال على العالم القروي، وتحديدا منطقة الغرب؛ لماذا؟ لأن الرفيق عبد العزيز بلال، رحمه الله، كان هو المسؤول عن جهة الرباط، التي كانت تضم الغرب بأكمله، وكان قد طلب مني تتبع هذا الموضوع داخل الحزب. - هل كانت للموضوع علاقة بكونك كنت على معرفة بمنطقة الغرب بحكم إقامتك بالقنيطرة؟ من الوارد، لكن هذا عائد بالأساس إلى أنني كنت دائما ميالا إلى ما يخص أوضاع الفلاحين... هل كنت ماويا (نسبة إلى ماو تسي تونغ، زعيم الحزب الشيوعي الصيني، الذي أحدَث سنة 1925 تحولا في الفكر والممارسة الماركسية، حين اعتمد على الفلاحين والقرى بدل العمال والمدن)؟ لا، أبدا. لم أكن ماويا، لكنني كنت أعتبر أن الآراء الماوية لها نصيب من الصحة في مجتمع متخلف مثل مجتمعنا؛ كما أنني، قبل أن أعود من فرنسا، كنت عضوا في اللجنة الفلاحية داخل الحزب، والتي كانت تضم بول باسكون (السوسيولوجي صاحب مفهوم المجتمع المركب La société composite والذي حصل على الجنسية المغربية في 1964) وغريغوري لازاريف الذي لم يكن حاصلا على الجنسية المغربية (متخصص في السياسات الزراعية بالمغرب) وآخرين. وقد كانت هذه اللجنة الفلاحية تهتم بتحليل أوضاع الفلاحين في الأرياف. وأذكر أنني، بعد فيضانات 1963 التي طالت منطقة الغرب، كتبت مقالا ناقشته مع أعضاء اللجنة قبل صدوره، وكان قد أثار انتباه عدد من المتتبعين، لأنني طرحت فيه ضرورة تجهيز المنطقة وبناء سدود بها لتجنب الفيضانات؛ وقد بُني سد الوحدة، لكن كان من المفروض أن يكون هناك أكثر من سد في عالية نهر ورغة لأنه هو «سبب البلا»، غير أنه، إلى حد الآن، لم يتم إنجاز أية سدود إضافية، مع كامل الأسف. - بما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد برز داخل الحزب الشيوعي المغربي، في نهاية الستينيات، عدد من الماويين الذين لم تكن قيادة الحزب تنظر إليهم بعين الرضى، لأنها كانت مرتبطة بالحزب الشيوعي السوفيياتي... لم يكن هناك أي ارتباط ميكانيكي وطيد بيننا وبين الحزب الشيوعي السوفياتي. يجب ألا ننسى أن حزبنا لم يسبق له أن قبل التبعية لأي كان، ففي 1945 و1946 رفض فكرة الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان ينادي بالعمل من أجل إنجاح فكرة الاتحاد الفرنسي، فكنا نقول للرفاق الفرنسيين إننا مغاربة، نطالب باستقلالنا، وبعد الحصول عليه سيكون بإمكاننا أن نحدد ونقرر ما نشاء. وفي 1947، كنا ضد الحركة الصهيونية واعتبرناها حركة استيطانية استعمارية.. - عندما قبل الحزب الشيوعي السوفياتي تجزيء فلسطين؟ نعم. وفي 1948، عندما تقرر طرد تيتو (رئيس يوغوسلافيا) من رابطة الدول الاشتراكية، كنا ضد ذلك القرار، بالرغم من أننا كنا نعتبر حُزيّبا بعيدا، جيوسياسيا، عن الساحة العالمية، وهذا كان يفسر العطف الذي كان لتيتو على الحزب الشيوعي المغربي وعلى الرفيق علي يعتة بالخصوص؛ كما استنكرنا دخول جيوش حلف وارسو إلى براغ (عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقا) وقد استدعي السي علي يعتة إلى موسكو ومورست عليه ضغوط كبيرة لمراجعة هذا الموقف؛ كما كان لنا موقف متوازن في النزاع بين الاتحاد السوفياتي والصين، وهذا باعتراف الرفاق الصينيين.