بعد انهيار الأورو إلى أدنى مستوياته من انطلاق العمل به كعملة أوربية موحدة، وجدت الصادرات المغربية نفسها، مرة أخرى، في مأزق، ما أعاد النقاش مرة أخرى حول تخفيض قيمة الدرهم، رغم أن هذا الإجراء ستكون له تداعيات على القطاعات المستوردة وعلى خدمة الدين الخارجي، فهل ستملك الحكومة الجرأة الكافية للإعلان عن مثل هذا القرار؟ مع تراجع قيمة العملة الأوربية الموحدة «الأورو»، تجدد النقاش مرة أخرى حول إمكانية لجوء المغرب إلى خفض سعر صرف الدرهم من أجل دعم قطاع الصادرات، وتعالت من جديد أصوات المصدرين بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للوقوف أمام هذه الظرفية. وإذا ما ربطنا الوضع حالي بتصريحات والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، منذ حوالي شهرين، والتي أكد فيها إمكانية مراجعة سلة العملات المعتمدة في تقييم الدرهم، وكذا بدعوة المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي، إلى إعادة النظر في سياسة الصرف، يبدو خيار خفض سعر الدرهم مرجحا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن الظرفية الحالية المتميزة بتراجع أسعار النفط ستخفف، لا محالة من تأثيرات هذا القرار، في حالة اتخاذه، على عجز الميزان التجاري. «الأورو» في أزمة والبنوك المركزية عاجزة خلال الأسابيع الأخيرة، تراجعت قيمة العملة الأوربية الموحدة «الأورو» لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ إصدارها، وأرجع خبراء أسواق العملات هذا الانخفاض إلى تحويل كميات ضخمة من الأورو إلى الدولار، معربين عن اعتقادهم بأن البنوك المركزية ليست على استعداد لدعم الأورو. ووصل سعر الأورو في سوق لندن، الذي يعد أكبر أسواق العملات في العالم، إلى 0.8288 دولار، ثم عاود الارتفاع بشكل طفيف، ليكون بذلك قد فقد نحو ثلث قيمته مقابل الدولار، منذ صدوره لأول مرة في شهر يناير من عام 1999. وأمام هذا الوضع، أدت زيادة معدلات نمو الإنتاج وارتفاع سقف الفائدة في سوق الولاياتالمتحدة إلى اجتذاب استثمارات العديد من الشركات الأوربية، مما حمل الشركات الراغبة في الاستثمار داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية على بيع ما بحوزتها من كميات كبيرة من الأورو بقصد الحصول على الدولار الأمريكي لدخول السوق الأمريكية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في دعم انخفاض قيمة الأورو. ولم تستطع البنوك المركزية الأوربية، رغم تدخلاتها، إنعاش الأورو، الذي سرعان ما عاود استئناف تراجعه وانخفاضه أمام الدولار الأمريكي، بعد أن أدلى وزير الخزانة الأمريكية لاري سامرز بتصريحات قال فيها: «إن بلاده ستنتهج سياسة تهدف إلى الحفاظ على قوة الدولار»، الأمر الذي جعل البنوك المركزية تحجم عن المضي في التدخل لدعم الأورو، وهو ما جعل بعض خبراء الأسواق يتوقعون أن تراجع قيمة الأورو مقابل الدولار إلى أقل من ثمانين سنتا. الصادرات المغربية المتضرر الأول في ظل التراجع القياسي للعملة الأوربية الموحدة، ارتفعت قيمة العملة الوطنية الدرهم بنسبة 0.24 في المائة مقارنة مع الأورو، في الفترة ما بين أكتوبر ونونبر 2014، لتواصل بذلك منحاها التصاعدي المسجل منذ أبريل الماضي. وحسب معطيات نشرها بنك المغرب في مجلته الشهرية حول الظرفية الاقتصادية والمالية لشهر يناير المنصرم، فإنه، في المقابل، تراجعت العملة الوطنية بنسبة 0.98 في المائة أمام الدولار الأمريكي وبنسبة 0.08 في المائة مقابل الجنيه الاسترليني. وأوضح البنك أن الحجم الشهري للبنوك في شراء وبيع العملة الصعبة مقابل الدرهم، استقر في المتوسط عند 10.6 مليار درهم في نونبر، مسجلا ارتفاعا قيمته 7.9 مليار درهم مقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة. وبقدر ما كان هذا الارتفاع في قيمة العملة الوطنية مفيدا لقطاع الواردات، التي تراجعت قيمتها أصلا بسبب انخفاض أسعار النفط والمواد الأولية في السوق الدولية، بقدر ما أدى إلى تراجع مداخيل الصادرات المغربية، حيث كشف مجموعة من المصدرين أن الوضعية الحالية للأورو والدرهم لا تساعد نهائيا على التصدير، وتطرح علامات استفهام كبيرة حول موقف الحكومة من دعم الصادرات. وحسب المراقبين، فإن الوضع سيزداد تعقيدا بالنسبة للصادرات المغربية خاصة في ظل دخول منطقة الورو في حالة من الانكماش، وهو ما تؤكده وكالة الإحصاء الأوروبية «يوروستات»، التي أعلنت هذا الأسبوع دخول منطقة الأورو مرحلة انكماش اقتصادي جديدة، هي الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في أكتوبر 2009. وذكرت الوكالة الأوربية، في تقديرات أولية، أن مؤشر أسعار المستهلكين سجل تراجعاً بنسبة بلغت 0.2 في المائة خلال شهر دجنبر الماضي، على خلاف ما كان يتوقعه المحللون وخبراء الاقتصاد. وبينما كان المحللون يتوقعون تراجع مؤشر الاستهلاك بنسبة 0.1 في المائة، فقد أرجعت «يوروستات»، وهي إحدى الهيئات التابعة للمفوضية الأوروبية، تلك المؤشرات السلبية إلى التراجع الحاد في أسعار النفط. تخفيض الدرهم.. بين المعارضة والدعوة إلى التحرير وفي الوقت الذي كان ينتظر الجميع رد فعل من طرف الحكومة حول الوضع في منطقة الأورو وتداعياته على قطاع الصادرات بالمغرب، خرج الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية محمد عبو، الأسبوع الماضي بالرباط، ليعلن أن اقتراح معالجة خفض سعر الأورو بتخفيض قيمة الدرهم للرفع من مداخيل الصادرات بالدرهم، يعتبر «مقاربة أحادية الجانب» لا تأخذ بعين الاعتبار جميع المجالات التي يؤثر فيها سعر الصرف. وأضاف عبو، في معرض رده على سؤال شفوي تقدم به فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين حول «وضعية المصدرين بالمغرب»، أن الحكومة تسعى للأخذ بعين الاعتبار كل الآثار المحتملة لهذا الإجراء، بفضل نهج سياسة متوازنة، مع استمرارها في دعم الصادرات بعدة برامج. وبخصوص انخفاض العملة الأوروبية وآثارها على الصادرات المغربية، أوضح الوزير أن سعر الصرف يخضع لتقلبات أسعار العملات بالسوق الدولي، مسجلا أن ارتفاع سعر عملة الأورو يؤدي إلى الرفع من القيمة بالدرهم للصادرات المغربية. ولتفادي الآثار السلبية لتقلبات سعر صرف العملات، عمدت الحكومات المتتالية، يضيف عبو، إلى ربط سعر صرف الدرهم بالعديد من العملات الدولية، وخاصة الأورو والدولار، وهو ما يمكن من خفض أثر تقلبات سعر الصرف على الصادرات، معتبرا أن سعر صرف الدرهم لا يمكن اعتماده كآلية من آليات السياسة التجارية الخارجية لما لهذا العنصر من آثار على الاقتصاد الوطني برمته. وسجل عبو أن سعر صرف الدرهم يؤثر كذلك على الواردات المغربية، ما سيؤدي حتما إلى تفاقم العجز التجاري، خاصة وأن العديد من المواد المستوردة لا يمكن تخفيض استهلاكها لأن المغرب يستورد معظم حاجياته من الخارج، خاصة المواد الطاقية. وشدد على أن تخفيض قيمة الدرهم من شأنه أن يرفع من قيمة الدين الخارجي ومن قيمة المصاريف المخصصة لأداء مستحقات الدين، مما يؤثر سلبا على ميزانية الدولة وعلى توازناتها المالية العمومية. غير أن موقف الوزير عبو يتناقض ضمنيا مع ما ذهب إليه بنك المغرب منذ شهرين تقريبا، حين أكد عبد اللطيف الجواهري أن المغرب يتجه إلى مراجعة سلة العملات المعتمدة في تقييم الدرهم لعكس تراجع الأورو أمام الدولار الأمريكي. وأكد والي بنك المغرب أنه يشتغل مع وزارة المالية على الملف، مشيرا إلى أنه بما أن الأورو وصل إلى أدنى مستوياته أمام الدولار الأمريكي، حيث فقد 9 في المائة من قيمته أمامه في سنة 2014، فقد حان الأوان لمراجعة سلة العملات المحددة لقيمة الدرهم المغربي. وكان نزار بركة قد صرح، حينما كان وزير للاقتصاد والمالية، بأن تخفيض قيمة الدرهم بحوالي 50 سنتيما مقارنة مع الدولار، مثلا، سيرفع فاتورة الطاقة بأكثر من 6 ملايير دولار، موضحا أن نتائج هذا الإجراء ستكون سلبية على الاقتصاد الوطني ولن تؤدي إلى حل المشكل الحالي، بل ستعمق مشاكل المغرب. واعتبر وزير الاقتصاد والمالية أن تفاقم العجز التجاري وعجز ميزان الأداءات وضع الاقتصاد الوطني في موقف معقد نوعا ما، إذ أن مجال البحث عن حلول لهذه الوضعية أصبح ضيقا للغاية، لكن بركة أكد أن ذلك لا يمنع من دراسة مسألة تعويم عملة الدرهم، غير أن ذلك لن يتم قبل ضمان إعادة التوازنات الماكرو اقتصادية. ويجمع معظم المحللين الاقتصاديين على أن تخفيض قيمة الدرهم لن يكون سوى «حل ترقيعي» ومؤقت للأزمات التي يعيشها الاقتصاد الوطني، مؤكدين أن سلبيات هذا الإجراء هي أكبر بكثير من إيجابياته، التي لن تتعدى توفير كميات من العملة الصعبة يمكن أن تغطي مدة 3 أشهر لا أكثر، حيث ستجد الحكومة نفسها، بعد ذلك، أمام أزمة جديدة أكثر حدة. ويرى المحللون أن المغرب مطالب اليوم بإيجاد حلول جذرية لمشاكله الاقتصادية، وذلك من خلال إعادة النظر في النموذج الاقتصادي المتبع، والذي يعتمد بشكل كبير على الاستهلاك الداخلي، مؤكدين أن تخفيض قيمة الدرهم ستكون له تداعيات وخيمة على الاقتصاد، وسيساهم بشكل كبير في تفاقم العجز التجاري من خلال زيادة قيمة الواردات وخدمة الدين. وتتقاطع هذه الدعوة مع ما سبق لأحمد لحليمي المندوب السامي للتخطيط أن صرح به سابقا، حيث قال إنه قد أصبح من الضروري إعادة النظر في سياسات الميزانية والصرف والنقد، من خلال فتح حوار وطني يحدد أدوار جديدة للميزانية ولمكتب الصرف ولبنك المغرب، ويتيح القيام بالتعديلات المتناسقة على المستوى العملي والزمني للسياسات والبرامج العمومية لكي تكون مقبولة من طرف المواطنين.