مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة... على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - متى التقيتَ بأفراد عائلتك (خاله محمد العلوي القاضي بالمجلس الأعلى، وجدّ زوجته ادريس بنخضرة، وشقيقه مولاي الطيب العلوي) الذين كانوا موجودين في القصر الملكي بالصخيرات أثناء هجوم العسكر عليه يوم 10 يوليوز 1972 للانقلاب على الحسن الثاني، وهو الهجوم الذي كان قد أصيب خلاله خالك الدكتور عبد الكريم الخطيب برصاصة في فخذه؟ عندما عدت رفقة أفراد أسرتي إلى منزل العائلة في حي بطانة بسلا، مساء اليوم نفسه، بدأ يتوافد على البيت عدد من أفراد العائلة، منهم السي العربي حصار، ابن عم ادريس حصار، الذي كان مكلفا بالشؤون العامة بوزارة الداخلية، فكان يتصل به عبر الهاتف وهو الذي طمأنه قليلا على الأوضاع.. - متى التقيت بخالك الدكتور الخطيب وعمك محمد العلوي وأخيك مولاي الطيب؟ عمي انتقل من القصر الملكي إلى بيته في «المدينة»، بينما جاء الدكتور الخطيب رفقة أفراد أسرته إلى بيتنا، ومكثوا بيننا مدة يومين... - دون أن يمرَّ إلى المستشفى؟ ذهب إلى المستشفى، لكنه عاد إلى البيت بالرصاصة التي استقرت في فخذه، دون أن ندري ما إن كان هو من رفض استخراجها أم إن الأمر استعصى على الأطباء. كما جاء إلى البيت شقيقي مولاي الطيب سالما إلا من «الخلعة» (يضحك)... - ما هو الموقف الذي اتخذتموه في حزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي)، الذي كان حينها محظورا، من المحاولة الانقلابية أو، بعبارة صريحة، من منكم تشفى من نظام الحكم إثر ما حدث؟ لم نتشف، ولكننا اعتبرنا المحاولة الانقلابية نتيجة للاستبداد وسوء تدبير الأوضاع السياسية، وتحصيل حاصل. - هل ضمّنتم هذا الموقف في بيان؟ لم أعد أذكر، ولا أظن... - لكن، هذا هو ما أكدتموه أثناء تحليلكم لما جرى وربطه بسياقاته؟ نعم، في التحليل حملنا النظام مسؤولية اختياراته اللاشعبية التي أدت إلى ذلك. - أدت إلى لجوء الجيش إلى الانقلاب على الحسن الثاني؟ نعم. وما استغربناه، كذلك، هو أنه حتى عندما تحقق النصر للملك، لم يكن هناك خروج للمواطنين إلى الشارع فرحا بفشل المحاولة الانقلابية وتأييدا للحكم القائم، كما أنه لم يكن هناك خروج قوي للمواطنين للترحيب بالانقلابيين عندما أعلنوا، لهنيهة، نجاح انقلابهم. طبعا، كان هناك بعض الشباب الذي خرج لتحية الجنود وتقبيلهم، لكن لم يكن هناك أي خروج جماهيري كبير. - ما عِيب عليكم بقوة، كيساريين وديمقراطيين، ومعكم كل الأحزاب الديمقراطية والوطنية، أنكم لم تتجرؤوا على مجرد طرح سؤال عن مصير المشاركين الثانويين في المحاولة الانقلابية بعد اختطافهم من سجن القنيطرة حيث كان معظمهم يقضي مدة محكوميته بعقوبات بسيطة، والزج بهم في غياهب تازمامارت؛ لماذا؟ صحيح، هذا أمر وارد؛ لكن كان من الصعب، على المستوى الشخصي، أن يقوم بذلك عدد من الناس الذين كانوا في قلب تلك الأحداث الانقلابية، من أمثال علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني الذي بترت يده في الأحداث (بعد انفجار لغم فيها).. لقد كان من الصعب على أمثال هؤلاء أن ينظروا إلى العسكر المتورطين بنوع من العطف بالرغم من أن عددا من هؤلاء الشباب كان مؤمورا. - عن هؤلاء أسالك، فبعضهم لم تقض المحكمة في حقه بأكثر من سنتين حبسا، فإذا به يقضي 20 سنة في تازمامارت. نعم. أولا، كان هناك تكتم تام حول مصير هؤلاء؛ ثانيا، مسؤولية ما حدث لهم يتحملها الجنرال مولاي حفيظ العلوي. - عدد من معتقلي تازمامارت يحمِّل مسؤولية ما حدث لهم، بالإضافة إلى الجنرال مولاي حفيظ العلوي، إلى الجنرال الدليمي، والجنرال حسني بنسليمان من بعده، ومعه كولونيل الدرك الملكي، فضّول... لا علم لي بهذا. - ألم يسبق لكم أن تطرقتم إلى مصير معتقلي تازمامارت داخل الديوان السياسي لحزب التحرر والاشتراكية، ثم داخل التقدم والاشتراكية؟ لا، لم يحدث. - بالرغم من أن الدكتور الهادي مسواك، أحد أبرز قيادييكم، كان يُشغّل في عيادته خديجة الشاوي، زوجة محمد الرايس، أحد أبرز معتقلي تازمامارت، كما أن أول حارس غامر بحمل رسائل معتقلي تازمامارت إلى الخارج، جاء بها إلى عيادة الدكتور مسواك... هذا أعرفه منك للمرة الأولى. ولست أدري ما إن كان الدكتور الهادي مسواك قد أخبر الرفاق في الحزب بهذا، لأنه كان قد ابتعد قليلا عن الحزب، أو أُبعد عنه، ما بين سنتي 1969 و1970. - هل دفعته القيادة إلى الابتعاد عن الحزب نظرا إلى علاقته بالحسن الثاني؟ بدون شك؛ فقد كان السي عبد الله العياشي عنيفا معه. ومن يمكنه أن يفيدك في هذا الباب هو السي عمر الفاسي، الذي كان حينها عضوا مساعدا بالديوان السياسي. ما أذكره أنا هو أنه بعد تنظيمنا حفلا محدودا، بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس الحزب في 1973، حضر الدكتور الهادي مسواك، وأخذ الكلمة، وكانت كلمة مؤثرة جدا، طلب منا فيها نحن الشباب «معمرنا ما نغادرو الحزب ونبقاو دائما في صفوف الحزب مهما كان الأمر»، وبدون شك فهو كان يتحدث، أيضا، عن نفسه بالرغم من أنه دُفع دفعا، منذ بداية السبعينيات، إلى الابتعاد عن الحزب.