يروي المؤرخ والقيادي في الشورى والاستقلال وقتها عبد الهادي بوطالب، في كتابه «نصف قرن في السياسة»، أن «حزب الاستقلال كان يتطلع، خلال تشكيل أول حكومة عند حصول المغرب على الاستقلال، إلى أغلبية المقاعد الحكومية؛ وكان يعتبر نفسه يمثل أغلبية الشعب المغربي، رغم أنه لم تُجْر عملية اقتراع شعبي تؤكد ذلك». عرفت خمسينيات القرن الماضي حالة احتقان بين الأطياف السياسية الرئيسية بالمغرب آنذاك، خاصة بين كل من حزب الشورى والاستقلال وحزب الاستقلال. ومما أذكى التوتر بين الحزبين، الرغبة لدى الاستقلاليين في «الاستحواذ» على المناصب والمسؤولية غداة الاستقلال، كما ترى ذلك كتابات عدة. ويروي المؤرخ والقيادي في الشورى والاستقلال وقتها عبد الهادي بوطالب، في كتابه «نصف قرن في السياسة»، أن «حزب الاستقلال كان يتطلع، خلال تشكيل أول حكومة عند حصول المغرب على الاستقلال، إلى أغلبية المقاعد الحكومية؛ وكان يعتبر نفسه يمثل أغلبية الشعب المغربي، رغم أنه لم تُجْر عملية اقتراع شعبي تؤكد ذلك»، الأمر الذي أفضى إلى تشكيل أول حكومة في السابع من دجنبر من سنة 1955، والتي سميت حكومة «الاتحاد الوطني» أو «الوحدة الوطنية»، ونال فيها حزب الاستقلال تسع حقائب وزارية، بينما حصل كل من الشورى والاستقلال والمستقلين على ست حقائب لكل من الجانبين، بعدما تدخل القصر لئلا يحصل حزب علال الفاسي على أغلبية مطلقة في تسيير أول حكومة وطنية بعد الاحتلال. بيد أن الاحتقان بين حزب الاستقلال والشورى والاستقلال كان أكبر من أن يتم تطويقه في مجرد حقائب وزارية، حيث ظل التوتر سيد الموقف ومخيما على العلاقة بين أكبر مكونين سياسيين أساسيين في ذاك الوقت. وما كرس هذا التوتر هو تنامي الأصوات، من صفوف المقاومة الوطنية وأعضاء جيش التحرير وكذا من الشورى والاستقلال، الرافضة لمعاهدة «إيكس ليبان»، التي اتهم فيها هؤلاء حزب الاستقلال بالإقدام على إبرامها مع المستعمر الفرنسي للحصول على استقلال ناقص يخول للاستقلاليين امتيازات ومكاسب، مما أدى إلى بروز جناح راديكالي، حسب كتابات تاريخية، داخل حزب الاستقلال أعلن الحرب على معارضي الاتفاقية وعلى خصوم حزب الاستقلال السياسيين. «ولم تكد تمر على تعيين أول حكومة بضعة أسابيع حتى «وقعت أحداث سطت فيها عصابات مسلحة على شباب من حزبنا في ناحية سوق الغرب»، يقول بوطالب، القيادي في حزب الشورى والاستقلال، في أحد فصول كتابه سالف الذكر، وسقط منهم جرحى وقتلى». وتقول الروايات التاريخية إنه في 23 يناير سنة 1956 وبينما كان أعضاء من حزب الشورى والاستقلال يهمون بالدخول إلى مدينة سوق الأربعاء الغرب، قادمين إليها من مدن وازان والرباط وسلا والدار البيضاء بمعية فرقة من الكشفية، للاحتفال بتعيين المحجوبي أحرضان عاملا على الرباط والنواحي، فوجئوا بهجوم من طرف أعضاء من حزب الاستقلال، مما أسفر عن وقوع مذبحة راح ضحيتها أربعة أشخاص، على الأقل، من الشوريين والعديد من الجرحى. ونفس الميليشيات التابعة للجناح الراديكالي الاستقلالي، أقدمت، في 31 مارس سنة 1956، على تصفية الدكتور عمر الإدريسي، رمياً بالرصاص، رغم عدم تعاطيه لأي نشاط سياسي، تنقل الروايات، وكان قد صُفيَ خطأ مكان المستهدف الحقيقي وهو الدكتور عبد الهادي مسواك، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي. واستمر الاقتتال في ربيع سنة 1956، حين أقدم أعضاء من حزب الشورى والاستقلال، متحالفون مع منظمة «الهلال الأسود»، على تنفيذ عدّة اغتيالات وتصفيات استهدفت عناصر من حزب الاستقلال في مدينة أزيلال، ومثلوا بالجثث بعدما علقوها على جذوع الأشجار، دائما حسب الروايات التي أضافت كذلك أن الرد من طرف حزب الاستقلال على العملية الأخيرة لم يتأخر كثيرا، حيث تم، في تاسع مايو سنة 1956، اغتيال عبد الواحد العراقي، كاتب فرع حزب الشورى والاستقلال بمدينة فاس وممثل العلماء في استشارات «إيكس ليبان»، والسبب كان هو دعوته، عبر أمواج الإذاعة الوطنية، إلى حل جيش التحرير. وتصف كتابات عدة مرحلة الاغتيالات التي تفجرت في سنوات الخمسينيات ب«الظروف الغامضة»، وهي الإشارة التي دأب «المتورطون» في تلك الاغتيالات، بالخصوص، على نعتها بهذه الصفة، تفاديا للكشف عن الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عنها. إنها «الظروف» التي قال عنها أيضا عبد الهادي بوطالب «إنها فترة تاريخية لا أذكرها إلا ويعتصر الألم فؤادي لهول فظاعتها»، مستغربا، في نفس السياق، أن كل تلك الاختطافات والاغتيالات كانت تقع في الوقت الذي كان فيه على رأس إدارة الأمن الوطني مكافح وطني من حزب الاستقلال هو محمد الغزاوي (..)، الذي لم يمنع من تطور عمل العصابات، يؤكد بوطالب، إلى تنظيم الفوضى التي لم يقابلها الأمن الوطني بما يردعها أو يكشف عن حقيقة من يقفون وراءها”. وفي يونيو سنة 1956، أُختطف عبد الله الوزاني، الذي كان معجباً بأدولف هتلر وسبق له أن زار برلين أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان وزير الداخلية آنذاك، إدريس المحمدي، أقر بإصدار أمر باعتقاله، لكن لم يعثر له على أثر فيما بعد، ويرجح أنه قُتل في معتقل دار«بريشة» بتطوان، وهو المعتقل الذي تؤكد الشهادات أن عبد السلام الطود لقي نحبه بداخله، وكذلك الأمر بالنسبة إلى محمد الشرقاوي وعبد الكريم الحاتمي. وانضاف إلى قائمة المغتالين، في شهر يوليوز من نفس السنة، إبراهيم الروداني، الوجه البارز في الحركة النقابية والمقاومة المسلحة، بعدما لفظ أنفاسه الأخيرة في الحال في هجوم مسلحين عليه، كما مات شقيقه أيضا متأثراً بجراحه، إضافة إلى أحد المارة. ولقي بوشعيب الزيراوي، رفيق الروداني، حتفه هو الآخر رمياً بالرصاص في درب البلدية بالدار البيضاء، وهو نفس المصير الذي لقيه لحسن الجلاوي وأحمد الشرايبي والمجاطي والمختار كندوز. وفي 16 غشت سنة 1956، تم في طنجة اختطاف رجل الأعمال عبد القادر بن عمر برادة بمعية صهره عبد الحميد بوسليخين، وكان الأول يستقطب الريفيين المقيمين بطنجة إلى صفوف حزب الشورى والاستقلال، ولم يُعثر لهما على أثر، ويرجح أن يكونا قد صُفيا بمعتقل بريشة بتطوان. ووصل الصراع والتطاحن بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال أوجه في أبريل سنة 1959، حيث اغتيل الفقيه عبد العزيز بن ادريس، وألقي القبض على الفاعلين وقُتِل أحدهم تحت التعذيب بمخفر الشرطة، وهو الحسن بن الحسن القهواجي، بينما نُفذ حكم الإعدام في حق محمد بن الحسين الملقب بالأعور.