ما من عربي، بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو موطنه أو انتمائه السياسي، إلا وسأل نفسه هذا الأسبوع «لماذا لا نعامل مثل بقية البشر؟»! كل التساؤلات يعرفها ويرددها الجميع، من عامل النظافة حتى الأستاذ الجامعي والكاتب والصحافي! لماذا ينتفض العالم انتصارا لقتيل أو سجين رأي في كل جهات الأرض ولا يحرك شعرة لأجل عرب يُسحلون ويسجنون ويغتصبون ويشرّدون ويبادون بعشرات الآلاف؟! غضبنا وبصقنا على شاشات التلفزيون وعلى الصحف وعلى صور ذئاب العالم وهم يتظاهرون ضد «الإرهاب الإسلامي»! رأينا (حمامة السلام) نتنياهو يدعو يهود فرنسا إلى أن يهاجروا إلى «فلسطين» ويعدهم بالأمن والأمان والاستقرار في «وطن آبائهم وأجدادهم»! السؤال الذي أسأله لنفسي كعربي: هل من زعيم عربي يأخذ على عاتقه دعوة المهاجرين من أبناء بلده إلى أوربا بأن يعودوا إلى بلدانهم التي ولدوا وترعرعوا فيها؟! هل يعدهم بالأمن والأمان على أرواحهم وأموالهم وكراماتهم وعقولهم وحرياتهم وحفظ إنسانيتهم؟! هل من زعيم عربي يأخذ على عاتقه ويرجو ويتوسل الذين يركبون البحر هربا من بلدانهم ويقول لهم مقولة وديع الصافي: «يا مهاجرين ارجعوا غالي الوطن غالي»؟! أم إنه يعمل على تخفيف أزمة البطالة والمعارضة في بلده من خلال تشجيع الهجرة وغض الطرف عنها؟! هل توجد قوانين توفر حياة كريمة للمواطن كي يبقى رافعا رأسه، سواء كان معارضا أو مؤيدا؟! هل يعد بقانون يسمح بحرية الصحافة، بما في ذلك رسم الكاريكاتير دون تكسير أصابع الرسام أو اغتياله أو الرفس في بطن رئيس تحرير الصحيفة في الشارع من «جهات مجهولة»؟! هل يستطيع كاتب أن يطرح أي تساؤل وجودي يخطر في باله من خلال قصة أو رواية دون التعرض لتهمة التخوين و»إضعاف صمود الوطن والمس بوحدته» أو التكفير ومطالبته بالتوبة؟! السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا: من الذي أوصلنا إلى هذه الدرجة السفلى من البشرية؟! من الذي أوصلنا إلى أن نكون (ملطشة) للأمم من الشرق والغرب، وطبعا إسرائيل على «رأس الكوم»؟! من الذي أوصل العربي إلى أن يشعر بأن عروبته باتت عبئا عليه وليست فخرا له؟! هل تعلمون أن على الإنسان، قبل أن يطلب من الآخر احترامه، أن يحترم نفسه؟! هل تعلمون أنكم لم تفتحوا أفواهكم ولم تقوموا بمظاهرة واحدة احتجاجا على اعتقال صحافيين أو قتلهم في بلدانكم؟ هل تعلمون أنكم تجاهلتم ذبح فنان لأنه غنى ضد بشار الأسد، ولم تتظاهروا احتجاجا على سجن فنانين كثيرين، ولم نر منكم وقفات تضامن ولا مظاهرات احتجاج واعتصامات؟! هل تعلمون أن قطاع غزة محاصر منذ سنوات من قبل إسرائيل وأن المشير السيسي شدد الحصار أكثر وأكثر، فماذا فعلتم لتخفيف الحصار بل لماذا تخفيفه وليس إنهاءه؟! أنتم لم تحترموا كرامة وإنسانية مئات الآلاف من السجناء في بلدانكم وبررتم ما يفعله هذا النظام أو ذاك، أو صمتم وأنتم تعرفون أن ذنب هؤلاء هو طلبهم للحرية والعيش بكرامة. في زمن ما، كان العربي يفخر بعروبته ويصرخ بكبرياء «سجّل أنا عربي»! من يستطيع أن يهبط في مطار عربي ويفخر أمام أخيه العربي بأنه عربي آملا في تعامل لائق! بينما يرى أن التعامل مع الأجنبي أرقى بكثير في المطار والفندق والمطعم والسوق! في يوم ما، كان هناك من يقف أمام الملايين ويهتف «اِرفع رأسك يا أخي العربي»! أين هو هذا الصوت؟! وأين العربي الذي يرفع رأسه؟! فمن يرفع رأسه قد يتهم بتحريض الغيوم على القصر، وقد يخسر رأسه، أو يُحاصر ويصادر إلى أجل غير مسمى، وقد يجلد على قفاه لأن رأسه يجب أن يبقى في قفاه! من هو العربي الذي يضمن أن تسلّم جثته إلى ذويه احتراما للموت ولمشاعرهم وألا ينقل جثمانه بالجرافة كبرميل زبالة إذا ما اشترك في مظاهرة شعبية ضد النظام في بلده وأصيب (بجلطة) أثناء التظاهر؟! في يوم ما، كان هناك من ينشد «بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان» بملء فيه... فصار النشيد «معبر رفح أقسى كوابيسي من مبارك إلى السيسي»، وصار الهارب من جهنم البراميل المتفجرة مطالبا بكفيل وألف دولار من البلد الشقيق، كي يُسمح له بالدخول إلى خيمة غارقة بالثلج والوحل. كيف نطلب من العالم أن يحترمنا ونحن نحرّض ليلا ونهارا على المعارض والمختلف؟! كيف نطلب من العالم أن يستحي منا بينما نحن نمر مرور الكرام على أطفال يتجمّدون في الخيام أو لائذين وراء أنقاض بيوتهم من العاصفة؟! كيف نطلب من العالم احترامنا مادمنا لا نطالب بدماء أكثر من 500 طفل من أطفال قطاع غزة منذ أول يوم لقتلهم بأعتى آلة حرب في العالم؟! لم نلاحق المجرمين في المحافل الدولية، ولم نقم الدنيا ونقعدها حتى هذه اللحظة! كيف نصمت ونحن نرى طفلا يرضع من كلبة لإسكات جوعه في مخيم اليرموك! شكرا لمن منح فرقة التخت الشرقي من غزة «النسر الذهبي» في برنامج المواهب العربي، ولكن هل تكفي الدموع من المحيط إلى الخليج كعملية تطهير لضمائرنا تجاه أطفال وشعب قطاع غزة المحاصر منذ سنين، والذي يستشهد رجاله إذا ما لاحقوا سرب أسماك على بعد كيلومترات من شواطئه! كم عدد التظاهرات التي أقمناها تضامنا مع صحافية حكمت بالجلد والسجن لأنها هاجمت وزيرا في نظام يمنع قيادة المرأة للسيارة؟! كم مليون خرج منا إلى الشوارع احتجاجا على قطع رأس امرأة أو فتى أو أسير أو صحافي على يد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية؟! أسئلة كثيرة علينا أن نطرحها على أنفسنا قبل طرحها على الآخرين. فلنغضب لإنسانيتنا، ولنحترم أنفسنا كي نفرض احترامنا على الآخرين، كي نعيد إلى أمتنا كرامتها، لا أن ننتظر من الآخرين الذين لهم مصالحهم وعنصريتهم وحساباتهم بأن يعيدوها إلينا. عن القدس العربي