لقد أعادت المراسلة رقم 233-14، الصادرة بتاريخ 11 دجنبر 2014 بشأن الدروس الخصوصية المؤدى عنها، النقاش من جديد حول ظاهرة الدروس الخصوصية المؤدى عنها والتي تعطى من طرف بعض الأساتذة لتلامذتهم، وتستعمل لهذه الغاية فضاءات متعددة، ولاسيما مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، مؤسسات التعليم الأولي، كتاتيب قرآنية، ومراكز تدريس اللغات، وكذا مقرات ودور المتعلمين والمتعلمات. ويبقى هذا التصرف سلوكا لا تربويا وغير قانوني، كما أن من شأنه أن يخلق عدة مشاكل تسيء إلى العلاقة بين الأساتذة وتلامذتهم، من جهة، وتحرج أولياء التلاميذ، وخاصة متوسطي ومحدودي الدخل منهم، الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية بتسديد المبلغ المالي المطلوب، من جهة أخرى. وأجد نفسي هنا مجبرا على أن أفتح قوسا لأوضح أنه ليست هيئة التدريس هي وحدها التي كان يجب أن تستهدفها هاته المذكرة، أو ما سبقها، فلا ينبغي أن ننسى هيئة التأطير والمراقبة التربوية والتي يجب أن يشملها هذا المنع لكي لا يؤثر ذلك سلبا على المهام المنوطة بها والمحددة قانونيا. فطبقا للتشريعات والقوانين الجاري بها العمل، يعد إعطاء الدروس الخصوصية بمقابل مادي تصرفا ممنوعا إداريا ومرفوضا تربويا وأخلاقيا، وذلك انسجاما مع مبدإ تكافؤ الفرص ومجانية التعليم، الذي انتهجته بلادنا، وهذا أمر لا ينكره أحد. لقد شكلت المقاربة القانونية أهم المداخل التي اعتمدتها الوزارة للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تنخر منظومتنا التربوية. وفي هذا الإطار، نجد هناك مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية، سواء كانت عامة تهم قطاع الوظيفة العمومية أو خاصة تهم قطاع التربية الوطنية، والتي حاولت التصدي لهذه الظاهرة التربوية السلبية، ونذكر في هذا الإطار : الظهير الشريف رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية؛ المنشور رقم 30/99 بتاريخ 19 نونبر 1999 حول الجمع بين الوظيفة والأنشطة الحرة؛ مذكرة وزير التربية الوطنية رقم 01 بتاريخ 06 يناير 2002 حول القيام بساعات إضافية بمؤسسات التعليم الخصوصي؛ مذكرة وزير التربية الوطنية رقم 109 بتاريخ 03 شتنبر 2008 بشأن الترخيص لأطر هيئة التدريس بالقيام بساعات إضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي. ثم أتت المراسلة الأخيرة التي مُنع بموجبها، وبأي شكل من الأشكال، تنظيم المدرسات والمدرسين لدروس خصوصية مؤدى عنها لفائدة تلميذاتهم وتلاميذهم. كما طالبت هذه المراسلة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات الإقليمية باتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها تمكين أمهات وآباء وأولياء المتعلمات والمتعلمين، وغيرهم من المعنيين، من الإبلاغ عن كل مخالفة في هذا الصدد والتعامل بما يلزم من السرعة والصرامة مع شكاياتهم. وشددت المذكرة على ضرورة المتابعة التأديبية لكل من ثبت في حقه التعاطي للدروس الخصوصية بتفعيل المقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل. وهنا أفتح قوسا ثانيا لأتساءل عن مصير إحداث لجنة الأخلاقيات التي كان من المتوقع أن ترى النور، سواء على مستوى الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية أو حتى على مستوى مؤسسات التربية والتعليم العمومي والتي أوكلت إليها مهام جسيمة تهم : رصد حالات إعطاء دروس خصوصية من طرف الأساتذة لتلاميذهم؛ ضبط وتتبع التراخيص الممنوحة لأطر هيئة التدريس للقيام بساعات إضافية في مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي؛ تلقي وتسجيل شكايات التلاميذ وآباء وأولياء التلاميذ أو من أي طرف آخر (الصحف المحلية والجهوية والوطنية...) مع الالتزام بالسرية؛ التأكد من صحة الإبلاغ والشكايات؛ إعداد تقرير عن كل حالة تم رصدها وإرساله إلى النيابة الإقليمية في أقرب الآجال؛ تتبع الملفات. إن المقاربة القانونية التي ارتأت الوزارة أن تعمل بها كإجراء للحد من استمرار تفشي مثل هذه الممارسات، الممنوعة قانونيا والمنبوذة تربويا وأخلاقيا، لا يمكنها أن تعطي أكلها أو تحقق النتائج المرغوب فيها مادامت لم ترافقها مقاربة تربوية بديلة من شأنها أن تضع الحلول المناسبة بشكل وقائي بدل المقاربة القانونية الزجرية التي لا محالة سيتم التحايل عليها بطرق مختلفة -وقد تكون طرقا قانونية ومشروعة- كما نشاهده ونعايشه في حالات الغياب غير المبرر مثلا... نؤكد، بصريح العبارة، أنه لو كان الزجر والمنع القانوني يجدي نفعا لحقق الأهداف المتمثلة في منع أو، على الأقل، الحد من مثل هذه التصرفات المشينة مع أول مذكرة تم إصدارها، وبالتالي فلا جدوى من استنساخ ما تم إصداره... لذا نرى أنه بات من الضروري أن يواكبَ هذا المنعَ وضعُ استراتيجية وطنية واضحة تهم مجال الدعم التربوي ومحاربة ظاهرة التكرار والانقطاع عن الدراسة، بأن تعمل الوزارة على مأسسة هذه العملية من خلال تنظيم دروس للدعم في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي، بهدف التمكن من مواكبة التلاميذ المتعثرين ومساعدتهم على تحسين مستواهم؛ ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إدراج الدعم المدرسي في استعمالات الزمن الأسبوعية للمدرسين: 3 ساعات أسبوعية بالتعليم الابتدائي و4 ساعات أسبوعية بالتعليم الثانوي الإعدادي، تخصص للدعم المدرسي المؤسسي. كذلك، تنظيم فترات تدريبية لدعم وتأهيل تلاميذ السنة النهائية من كل سلك في المواد التعليمية الأساسية خلال العطل البينية، وكذا تنظيم فترات تهييئية تسبق الدخول المدرسي (عشرة أيام خلال شهر شتنبر) لفائدة التلاميذ المتعثرين. إضافة إلى هاتين المقاربتين، القانونية والتربوية، يجب ألا ننسى جانب أخلاقية المهنة والذي يجب التركيز عليه بشكل قوي من أجل تخليق المنظومة التربوية وتكريس النزاهة والقيم وثقافة الواجب، وحماية حقوق المتعلم ومبدإ تكافؤ الفرص والتزام الموضوعية والإنصاف في التقويمات والامتحانات ومعاملة الجميع على قدم المساواة وإشاعة ثقافة الالتزام والسهر على احترام الأخلاقيات المهنية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تحسيس وتعبئة الفاعلين التربويين من أجل التصدي لمثل هذه الظاهرة السلبية في منظومتنا التربوية. فؤاد مدكري