على إثر الاختلالات التي طبعت أطوار إحدى المباريات برسم ربع نهاية كأس العالم للأندية بسبب ما وقع في ملعب مولاي عبد الله في الرباط نتيجة الأمطار الغزيرة التي جعلت من أرضيته بركا مائية، أعطى الملك محمد السادس، في يوم الجمعة 19 دجنبر 2014، تعليماته لرئيس الحكومة بفتح تحقيق معمق وشامل لتحديد المسؤوليات عن هذه الاختلالات؛ كما أعطى تعليماته لرئيس الحكومة بتعليق أنشطة وزير الشباب والرياضة المرتبطة بهذه التظاهرة الرياضية الدولية، ومنها على الخصوص حضوره في المباراة النهائية التي جمعت، يوم السبت 20 دجنبر، بين "ريال مدريد" الإسباني و"سان لورينزو" الأرجنتيني، وذلك في انتظار نتائج هذا التحقيق. هذه التوجيهات الملكية التي نحن بصددها أثارت نقاشا وفضولا لدى بعض السياسيين والباحثين حول مدى احترامها للدستور، الأمر الذي دفعنا إلى إبداء رأينا في الموضوع، حيث نرى أن توجيهات الملك ليس فيها ما يخالف الدستور، وذلك للأسانيد التالية: 1) الملك هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية، مادام هو الذي يعين الحكومة (الفصل 47 من الدستور) ويرأس المجلس الوزاري (الفصل 48 من الدستور) الذي من خلاله يعطي التعليمات لرئيس الحكومة وباقي أعضائها، ويبوئه الدستور مرتبة أسمى من رئيس الحكومة، فالملك في الدستور المغربي ليس متساويا مع رئيس الحكومة أو منافسا له كما هو الشأن في حالة ثنائية السلطة التنفيذية Dualisme de l'exécutif، كما يقع أحيانا في فرنسا في حالة التعايش La cohabitation بين رئيس الجمهورية والوزير الأول الذي يحظى بأغلبية عددية بالبرلمان (الجمعية الوطنية) تفوق تلك المساندة للرئيس ؛ 2) الملك هو الذي يعين رئيس الحكومة وباقي أعضائها بناء على اقتراح هذا الأخير (الفصل 47 من الدستور)، وبالتالي فإن المركز القانوني للوزير لا يكتمل إلا بالتعيين الملكي بواسطة ظهير، كما أن إعفاء الوزراء لن تكتمل مسطرته إلا بموافقة الملك بإصدار ظهير. رئيس الحكومة يقترح عليه فقط قرارات التعيين والإعفاء، بيد أن القرار النهائي يبقى بيد الملك. أكثر من ذلك، فإن الملك يمكنه، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، كما تشير إلى ذلك الفقرة الثالثة من الفصل 47 المذكور؛ 3) الملك هو رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، والساهر على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات (الفصل 42 من الدستور). ولما كان الملك هو الممثل الأسمى للأمة والساهر على أمنها واستقرارها بمقتضى الدستور وحاميا لحقوق المواطنين، فإنه تبعا لذلك يجوز له أن يتدخل كلما اقتضت الضرورة ذلك عندما يكون استقرار الدولة مهددا بجميع الأشكال، كالاضطرابات الاجتماعية التي قد تؤدي إلى المساس بالأمن العام وحقوق وحريا ت وممتلكات المواطنين . ذلك أن حضور وزير الشباب والرياضة المباراة النهائية ليوم السبت 20 دجنبر، في ظل الظروف الحالية التي تخيم عليها فضيحة المركب الرياضي مولاي عبد الله، من شأنه أن يشعل فتيل الغضب والاحتجاج لدى الشارع المغربي بصفة عامة، والجماهير الرياضية بصفة خاصة، ويمكن لذلك أن يحدث الفوضى والشغب في الملعب، كما قد تندلع شرارة الفوضى إلى الفضاءات العامة ويقع انفلات أمني، وما إلى ذلك من انعكاسات وخيمة على أمن وحياة المواطنين. ونظرا إلى ما للملك من صلاحيات دستورية، تم بسطها أعلاه، يجوز له أن يتخذ قرارات وأن يصدر توجيهات خارج مؤسسة المجلس الوزاري ودون أن ينتظر مبادرة رئيس الحكومة في الموضوع، إذ يمكن للملك أن يتدخل في إطار صلاحياته الدستورية لإصلاح الاختلالات وإدارة الأزمات التي قد تعرفها البلاد والتي من شأنها التأثير على استقرار الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مادام الملك يتحمل مسؤولية عظمى أمام الشعب في السهر على استقرار أمن الدولة ووحدتها وصيانة حقوق المواطنين . هذا مع الاشارة إلى أن الوزير المعني مازال يمارس مهامه الإدارية الخاصة بتسيير شؤون الوزارة، ويمكنه أن يحضر جلسات ولجان البرلمان بمجلسيه لمساءلته سياسيا من قبل أعضاء البرلمان، فتجميد أنشطته كان جزئيا ووقتيا. لكن جرت العادة في الحياة السياسية على أنه من الصعب أن يستمر وزير في منصبه بشكل مريح دون إرادة ملكية وشعبية. خالد الشرقاوي السموني * أستاذ القانون الدستوري ومدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية