مشاكل المغاربة مع «الحلوف» لم تبدأ منذ الأمس عندما قررت السلطات المغربية توقيف استيراد لحومه بسبب أنفلونزا الخنازير، بل هي قديمة قدم «الحلوف» نفسه. ولطالما اشتكت قبائل تزنيت وتارودانت والأطلس ومناطق غابوية في إقليم ابن سليمان من الهجمات العشوائية التي تخوضها قطعان الخنازير البرية ضد مزارعهم وتقتحم عليهم مساكنهم دون أن يكونوا قادرين على التصدي لها خوفا من المتابعة القضائية. فالحلوف في المغرب، -ونقول «الحلوف» في المغرب وليس «الحلوف المغربي» كما كتبت «ليكونوميست» أمس، فالجنسية المغربية يا مدام «طيريزا» لا تمنح للحيوانات وإنما للبشر-، لديه قانون يحميه ويصون حقوقه. وإلحاق الأذى بأحد «الحلاليف» دون رخصة يكلف المعتدي من بني البشر غرامة يتراوح قدرها ما بين 4000 و16000 درهم. فالمندوبية السامية للمياه والغابات توجد على قائمة أولوياتها مهمة حماية «القطيع الحلوفي» وضمان بقائه في غابات المغرب وجباله. ولذلك فهي تعمل بمقتضى قانون تركه المستعمر الفرنسي يحدد بوضوح بنود المتابعة القضائية والغرامات التي يجب أن يدفعها كل من يعتدي على سلامة «بني حلوف». وفي بعض طرق المملكة المجانبة للمحميات التي ترعى فيها «الحلاليف»، يمكن لسائق حافلة أن «يبجغ» قرويا بسيطا فوق الطريق ويخرج من القضية سالما، لكنه إذا «بجغ» حلوفا في الطريق فإن التعقيدات المسطرية تصبح بلا نهاية، خصوصا إذا كان «الحلوف المبغوج» واحدا من «الحلاليف» المسجلة في إحصائيات المندوبية السامية للمياه والغابات. وفي بعض المناطق القروية البعيدة يمكنك أن تعثر على إحصائيات مضبوطة لقطعان «الحلوف» عند مندوبية المياه والغابات، لكنك لا تستطيع الحصول على أي معلومات رقمية بخصوص الساكنة في سجلات مقر القيادة. ومن شدة تساهل السلطات مع «بني حلوف» أصبح هذا الحيوان المخرب والقذر يحظى بمكانة «محترمة» في الغابات والجبال، ومن فرط الدلع الذي يحظى به من طرف مصالح المياه والغابات أصبح يتجرأ على مهاجمة السكان القرويين في عقر ديارهم. فالحلوف عندما يجوع يستطيع أن يقطع مئات الكيلومترات بحثا عن أي شيء يلتهمه. والمشكلة أن السكان عندما يحتجون على الأضرار التي يلحقها «الحلوف» بمزارعهم ومساكنهم يتوصلون بتهديدات من القائد والشيخ والجدارمية تنصحهم بدخول سوق رؤوسهم وترك «الحلوف» يصنع ما يحلو له. فالقانون إلى جانبه والمندوبية السامية للمياه والغابات تسهر على حمايته. أما المزارعون والفلاحون البسطاء فليس لهم سوى الصبر. ولعلكم لازلتم تتذكرون قصة ذلك «الحلوف» الذي غامر «حلوف» باقتحام أرضية مطار محمد الخامس في عز الاجتياح الأمريكي الأول للعراق، والذي كتبت عنه جريدة «الاتحاد الاشتراكي» آنذاك مطولا، ووصفت كيف حطم زجاج قاعة الانتظار بأنيابه الحادة وخرج على المسافرين شاهرا أنيابه. ولم يقع اختيار «حلوفنا» سوى على مواطنة أمريكية تالفة فضربها لها بعضة في فخذها بعد أن تراءى له ربما على هيئة «كوطليطة» شهية. وكتب حينها أستاذنا عبد الرفيع الجواهري في إحدى نوافذه الجميلة يسخر من العرب الذين انحنوا أمام العدوان الأمريكي، جاعلا من «غزوة» حلوفنا ضد فخذ الأمريكية في المطار محاولة حيوانية متواضعة لرد الصاع للأمريكيين ولو بالعض، مع أن الأمريكية «مسكينة ما دارت لا بيديها لا برجليها»، مع ذلك عادت إلى بلادها بتلك العضة «الحلوفية» التي كادت تكلفها رجلها. والحمد لله أن السلطات المغربية اليوم منعت استيراد «الحلوف» من الخارج، وأنها كذلك شددت المراقبة على مزارع تربية «الحلوف» داخل المغرب. لكن إذا كانت وزارة الصحة قد قامت بكل هذه الخطوات حرصا على سلامة «الحلوف» الذي تتم تربيته داخل الحظائر، فما هي التدابير الوقائية التي قامت بها ياسمينة بادو حرصا على سلامة مئات الآلاف من رؤوس «الحلوف» البري الذي يعيش في الجبال والغابات ويتكاثر بالمئات كل يوم. فلا يخفى على علم السيدة ياسمينة بادو أن «الحلوفة» معروفة بين الحيوانات بقدرتها الجنسية التي تتجدد كل 21 يوما، وعندما تلد يمكن أن تعطي ما بين «حلوفين» إلى 14 «حليليفا» تضاف إلى القطيع الوطني. وهذه القطعان من «الحلاليف» منتشرة في سائر ربوع المملكة. وإذا كانت السلطات قد تحدثت عن وجود حوالي 5 آلاف رأس من «الحلوف» بالمغرب في حظائر المستثمرين في هذا القطاع، فإن إحصائيات المندوبية السامية للمياه والغابات تتحدث عن عشرات الآلاف من رؤوس «الحلوف» البري الذي يعيش ويتكاثر في الخلاء. فهل ستشمل حملة المراقبة الطبية، التي شرعت الوزارة في القيام بها بعد اندلاع كارثة «أنفلونزا الخنازير»، هذه القطعان «السارحة» في الغابات والجبال أيضا. «هذا هو السؤال» كما قال شكسبير، وليسمح لنا على إقحام مسرحية «هاملت» في سياق الحديث عن فيلم الرعب هذا الذي تسبب فيه «الحلوف» إلى درجة أنه «دوخ الحلوفة» لكل حكومات الكرة الأرضية. يبدو أن الوقت قد حان لكي يستيقظ المندوب السامي للمياه والغابات ويخرج من بياته الشتوي الطويل لكي يعطي للرأي العام شروحات حول الحالة الصحية لقطيعه «الحلوفي». كما يمكنه أن يفكر في تنظيم حملة لصيد «الحلوف» خارج فترة الصيد القانونية للتقليل من أعداده وكف أذاه عن المزارعين البسطاء الذين يتحسسون مناجلهم بحسرة وهم يرون أبناء «الحلوفة يشتفون» لهم فوق حقولهم حيث رزقهم اليومي، دون أن يكونوا قادرين على جز أعناقهم بتلك المناجل. والمغاربة لم يعانوا عبر تاريخهم مع «الحلوف» وحده، وإنما مع حيوان آخر لا يقل خطورة عن «الحلوف»، وهو الفأر. وكان المغرب في سنوات بداية الاستقلال قد عرف اجتياح الجرذان لأراضي المزارعين وقراهم وبدأ يهدد المحصول السنوي للمغرب بأسره. فدشنت السلطات حملة للقضاء عليه، وجندت أئمة المساجد لكي «يحرشو» المواطنين ضد الفئران و«الطوبات» و«الجعبورات» ومن والاها من القوارض الملعونة. ووزعت السلطات منشورات على المواطنين في مختلف المدن والمناطق تحمل صورة فأر بموسطاش طويل وأسنان بارزة مع جملة تحريضية بالبنط العريض تقول «هذا عدوكم فاقتلوه». ولم تكن مشاركة المواطنين في حملة اغتيال الفئران تطوعية، بل كانت مؤدى عنها. وكان التعويض يعطى بحسب عدد رؤوس الفئران التي يستطيع كل مشارك قتلها. وهكذا استطاع المغرب أن يتغلب على أشرس عدو واجهه بعد الاستعمار الفرنسي. وذلك بفضل المشاركة الفعلية للمواطنين في هذه الحرب. اليوم عدونا وعدو البشرية جمعاء ليس الفأر، وإنما قبيلة «بني حلوف» التي استطاعت أن تجمع فيروس أنفلونزا الإنسان والطيور والخنازير دفعة واحد في رئاتها لكي تطور لنا فيروسا قاتلا يحار الأطباء في العثور له على دواء. ولذلك فالشعار يجب أن يتغير لكي يصبح «الحلوف هو عدوكم فقاتلوه». على العموم، إذا فكر المندوب السامي للمياه والغابات في إطلاق حملة لاغتيال «الحلوف»، فعليه ألا ينسى التفكير في التعويض. وأكيد أنه سيحل ولو بشكل مؤقت معضلة البطالة في المغرب التي عجز عباس الفاسي عن إيجاد حل لها إلى اليوم. وبمجرد ما ستعلن المندوبية عن فتح باب المشاركة أمام الراغبين في القضاء على الخنازير مقابل الحصول على تعويضات، ستجد نفسها غارقة وسط عشرات الآلاف من الطلبات. فبالنسبة إلى المعطلين في المغرب «اللهم ملقاك مع الحلوف فالجبال ولا ملقاك مع المخازنية قدام البرلمان».