مالكة العاصمي في ما يخص مشاريع إصلاح المدرسة العمومية أولا: عن تعويض تعليم العربية الفصحى في المدرسة بالدارجة وبلغة الأم يرى هؤلاء الخبراء الجدد أنه لا يمكن تجنب الفشل المدرسي إلا باعتماد لغة الأم في التدريس وبالتعليم في المدرسة بالدارجة. لكن في الوقت الذي يطالبون بالمحافظة للتلميذ على لغة أمه لكي يفهم ويتعلم، في نفس هذا الوقت يؤكدون على ضرورة تعليم وتقوية اللغة الأجنبية والتدريس بها. من ثم يبدو التحليل متناقضا حد السفه. 1 فإذا كانت الدارجة هي الحل عندئذ يجب أن يتم تعليم اللغات الأجنبية كذلك بالدارجة لكي يمكن إتقانها. والواقع أن المدارس التي يرسل إليها هؤلاء الخبراء المغاربة الجدد أبناءهم تدرس اللغات الأجنبية لهم كمغاربة بلغات لا تعرف عنها أمهاتهم شيئا ولا آباؤهم ومع ذلك يتعلمونها ويتقنونها. 2 ثم لماذا إذن عندما نريد تعلم لغة أجنبية نتعلمها بلغتها كما هي، بل يفرض علينا التحدث والتعبير بها وعدم النطق في حصتها بلغة أخرى إلا بلغتها فلا نتعلمها بلغة الأم، ومع ذلك نتعلمها ونفهمها ونفهم بها ونتكلم بها. 3 إذا كان إلغاء اللغة العربية في التعليم تقتضيه ضرورة الفهم وحسن التعلم، فعلينا أن نلغي اللغات الأجنبية كذلك أو أن ندرسها بالدارجة، لكن شريطة أن نتوحد جميعا في هذا الإبداع التهريجي السخيف، بأن نغلق البعثات الأجنبية ونمنع على الخبراء الجدد إرسال أبنائهم للتعلم في البعثات الأجنبية أو في الخارج، ونمنع عنهم الزواج بالأجنبيات لينسجموا مع تمغربيت التي يعتزون بها وبدارجتها، فيدرسوا أبناءهم وأحفادهم مع عموم المغاربة بالدارجة وبتمغربيت. هل يعتقد هؤلاء الخبراء الجدد أن المغاربة بلداء مغفلون بلهاء، أم إنهم يستغلون نفوذا ما لإلقاء سكيتشاتهم في الفضاء العام. ويستغلون الصفاقة التي يتمتعون بها لنقل هرطقاتهم إلى مواقع مركزية للقرار في المغرب. والواقع أن المغاربة ليسوا بلداء وهم يرون تلك الطبقة التي ينتمي إليها الخبراء الجدد في التعليم تعلم أبناءها الفرنسية باللغة الفرنسية، والإنجليزية والإسبانية باللغة الإنجليزية والإسبانية، وتنتقي بعض المغاربة لتعليمهم بتلك اللغات فيما يسمى الشهادة الدولية. بينما تنصح باقي الشعب المغربي وتنصح أبناء الشعب بالتعلم بالدارجة والتكلم بها، فتَعِدُ باقي أبناء هذا الشعب المغربي المسكين بالشارع وبالأمية والجهل. وسيتأكدون أن هؤلاء الخبراء يهيئون طبقة من المغاربة بلغات أجنبية لمهمتين: الأولى لخدمتهم كنخب متنفذة وكطبقة رأسمالية متوحشة فاسدة متحالفة مع الاستعمار. والثانية لخدمة هذا الاستعمار وحضارته وتطلعاته الاستعمارية التي تستهدف الشعوب وتنتقي منها الخدم والمتعاونين، ثم تبيد فائض الإنتاج البشري بالحروب المباشرة واختلاق النزاعات المختلفة العرقية الطائفية الاقتصادية الترابية الإيديولوجية وغيرها من النزاعات. والمغاربة من جهة ثانية ليسوا بلداء لأنهم يرون أن المستهدف في حقيقة الأمر بالإبعاد من المدرسة ومن الحياة اليومية للمجتمع هو اللغة العربية، حيث تبعد العربية لتحل محلها لغة أو لغات أو لهجات أو تقاليع وتخريجات أخرى. وبالتالي فإنهم يدركون دون حاجة إلى عناء كبير أن الأفكار المطروحة ما هي إلا مغالطات ومناورات مفضوحة مكشوفة تستهدف اللغة العربية أولا. وتستهدف عموم الشعب المغربي بالجهل والأمية والشارع والفشل الاجتماعي ثانيا. وتستهدف تعرية المجتمع وسلخه من الكتلة البشرية العربية الإسلامية التي ينتمي إليها ويمكنه أن يحتمي بها أو أن تحتمي به، عن طريق سلخه من اللغة التي تجمعه معها وتربطه بها ثالثا، لكي تستفرد بكل واحد على حدة، وهو الحال الذي توجد عليه الأمة اليوم من التقتيل والتدمير والإبادة. إن الأراجيف والمغالطات لم تنطل على الشعب المغربي في الماضي وقد كان أعزل يواجه دولا استعمارية متحالفة قوية بأسلحتها الفتاكة وصناعاتها وتقدمها العلمي. وعندما يستعيد الاستعمار مشروعه اليوم فإنه سيتواجه بثورة جديدة للملك والشعب، ولن تفيده صفاقته ولن تحميه ومشروعه من الانكشاف أمام الملك والشعب معا. لكن الأهم من ذلك أن علينا في تدريس اللغة العربية في أي مستوى من المستويات التعليمية من الحضانة وروض الأطفال حتى الجامعة، علينا أن نمتنع عن التحدث بأي حرف أو لغة أخرى دارجة أو غير دارجة، وأن نلتزم بالتحدث بالعربية الفصحى، تماما كما نفعل عند تدريس الإنجليزية أو الفرنسية التي يدرسنا بها أساتذة إنجليز أو أمريكان أو فرنسيين لا يعرفون غيرها فنكون أمام ضرورة الفهم والمتابعة والتعلم أفضل وأسرع. ملاحظة هامة: أن تعليم اللغة العربية وإتقانها يمر عبر هذه البيداغوجية أساسا وينتهي بها، ويتعين الانتباه إلى ذلك من طرف المربين في الحضانات والمدرسين في جميع المستويات. وعلى الوزارة فرض ذلك ومراقبته من طرف المفتشين والمراقبين البيداغوجيين. وعلينا أن ننقل العربية المدرسية التي نتعلمها إلى التداول اليومي كما نفعل مع الفرنسية والإنجليزية، إذ علينا أن نتحدث بها ونعيش بها كما نكتبها ونقرأها في المدرسة عربية معربة بعيدا عن وهم ما سمى بالعربية الوسطى. هكذا سنتحدى مشاريع التغريب التي تهجم علينا في واجهات المتاجر والمصالح واللوحات والإعلام وغيره. وعلينا أن نتعبأ جميعا للاحتجاج على هذا الوضع ومناهضته وهزمه لأنه وجد ما قاله الشاعر: يا لك من قبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي واسفري إن القادم إلى المغرب المتجول في شوارعه يحس بنوع من الضياع، فلا يعرف في أي بلد هو، هل هو في بلد أوربي أو أمريكي أو شبه ذلك؟ ولا يعرف هوية هذا البلد ولا طبيعته ولا لغته، لأن واجهات المتاجر والكتابات المنتشرة لا توحي له بطبيعة هذا البلد فيتأكد أنه بلد لا لغة له ولا ثقافة ولا شخصية ولا نكهة ولا كيان، لكونه يستعير ثقافته من الخارج. وهذا هو العطب الحقيقي، لأن لغة أمهاتنا تنصحنا بالقول: (لمغطي بديال الناس عريان) ما يعني ونحن نستعير لغة غيرنا أننا عراة لا لغة لنا ولا شخصية ولا ثقافة ولا هوية، وأننا (مغطيين بدربالة) كما تقول أمهاتنا أي بمُرقعة تكشف عوراتنا. فهل يحترم خبراؤنا الجدد لغة ونصائح ومقولات وأمثال الحكمة التي تصدرها أمهاتهم أم (إنهم لا يعلمون)؟ صدق الله العظيم. 4 أما لو قبلنا جدلا التدريس بلغة الأم فإننا نتساءل: أي أُمِّ تلك التي سنتعلم بلغتها بينما لغات أمنا لا تتشابه بل تختلف من منطقة إلى أخرى ومن دوار ومدشر إلى آخر؟ سنكون أمام لغات متعددة متشعبة ما يدخلنا في متاهة الدوارج. يتعلق الأمر إذن بالتدليس على المجتمع بخطاب شعبوي يحمل في حقيقته إلغاء عنصر الوحدة واتخاذ عنصر الاختلاف والفرقة. أي الدعوة إلى إلغاء العربية التي يتعلم بها الجميع، لتعليم كل قبيلة وقرية ومدشر ومدينة وفئة وجماعة بلهجتها الخاصة، وسيادة الدوارج واللهجات واللغات والرطانات، والالتزام بعناصر التفرقة ضدا على عنصر الوحدة. 5 هذا إذا حصرنا الحديث عن الدارجة في الدارجة العربية (إذا سمح المدّعون بتسمية هذه الدارجة دارجة عربية أو قبلوا بذلك، ولأنهم لا يعرفون العربية فهم لا يعرفون علاقة الدارجة بالعربية وعذرهم قائم). وربما، أو لا شك أنهم يستتبعون ويعنون بالتدريس بالدارجة كل الدوارج بما في ذلك الدوارج الأمازيغية، ما سيعمق الاختلافات بين المجتمع، ويفرق ويفصل بين المتحدثين بالدوارج العربية فيما بينهم، وبين المتحدثين بالدوارج الأمازيغية فيما بينهم، وبين كل منهم وصاحبه، ويمزق هذا المجتمع المغربي الموحد شذر مذر، ويفصل بين أعضائه وعناصره وقبائله وجماعاته. 6 ويتعلق الأمر كذلك بالتدليس على المجتمع من خلال تقديم كتاب مدرسي بالدارجة. والواقع أن المقصود إغراق الدولة والإدارة في متاهة، وإدخالها في دوامة وضع كتب الدارجات واللهجات المحلية اللامتناهية وصرفها عن العملية التعليمية، وعن العمل باللغة العلمية ووسائلها وكتبها الجاهزة. 7 وإذا قبلنا التدريس بالدارجة فسننتهي إلى إلغاء وظيفة المدرسة والتعليم الذي يضيف ويغني ويطور، ليتم ترسيخ الأجيال في الجهل. إذ ماذا سنتعلم بهذه الدوارج، وكل منا يعرف جيدا دارجته وعلومها، ويعرف معارف أمه ومعارف ظروفه ومجتمعه، يتشربها ويحيا بها وفيها ومعها؟ 8 إذا ظللنا في الدارجة وفي لغة الأم، فقد أجلنا العملية التعليمية أو ألغيناها، وتركنا الدارس في دارجته وفيما يعرفه، فلم نعمل على نقله وإمداده بلغة ومعارف جديدة، ولا على نقله من البيت إلى المدرسة. ولا شك أن الأسر ستكتشف بكل وضوح عبثية الذهاب إلى مدرسة تدرس الطفل لغة أمه التي يعرفها، وبالتالي لا جدوى هذه الدراسة، فتكتفي بالاحتفاظ بأبنائها لكل غاية مفيدة. فيتحقق الهدر المدرسي بل إلغاء المدرسة التي يرمي إليها هذا المشروع. 9 ولا شك أنكم اليوم تقرؤون في اللوحات الإشهارية التي تملأ شوارع المدن المغربية عبارة إشهارية تقول (تلفوني كيصوني). يتبع السؤال هل كلمة (تلفوني) كلمة دارجة وما أصلها في الدارجة، لأن الذي نعرفه عن هذه الكلمة أنها فرنسية. كذلك ما نعرفه عن كلمة (كيصوني) أنها كلمة فرنسية لا أصل لها في الدارجة. لكن المتدخل توقع أنه درجها. وإذا كنا نستطيع أن ندرج الفرنسية البعيدة فلم لا ندرج العربية كما اعتدنا ذلك منذ قرون، فنقول (هاتفي يَدُق) أو (هاتفي يَرِن) ونكون بذلك قد نقلنا المجتمع إلى التعليم بدل نقله إلى الأمية. ولم لا نلتزم بنقل لغتنا العربية المكتوبة إلى الدارجة، أي إلى التداول اليومي فنلتزم بلغة العلم المكتوبة المشكولة المعربة في خطابنا التداولي مطَّرحين اللغة الدارجة المخففة التي نتخاطب بها حاليا. ولم لا نغني خطاباتنا بالقاموس اللغوي العربي الفصيح الغزير الذي تتكلم به جهات وقبائل وجماعات ومناطق المغرب المختلفة. إن دارجتنا المغربية الجميلة البديعة التي أبدع بها شعراء الملحون والمطربون والفنانون والشعراء الشعبيون قصائدهم وأفانينهم لا تمت ل(تلفوني كيصوني) بآصرة. وب(تلفوني كيصوني) وشبهها سنخسر دارجتنا الجميلة وسنضيِّع تراثا إبداعيا عريقا أنيقا يتغول عليه الدجالون والمهرجون فيزيفونه ويهجنونه بلغة لا علاقة لها بالمغرب لا بدارجته ولا بعربيته ولا بأمازيغيته. 10 أن المتابعة لبعض وسائل وأجهزة التواصل الجديدة وعلى رأسها اللوحات والمطبوعات الإشهارية وبعض الإذاعات والمدبلجات التلفزية تفاجئنا بلغة منحطة لا نحتاج للذهاب إلى المدرسة لتعلمها ويكفي أن نترك مجال (التشمكير والتشرميل) واسعا، أو ندعو الأطفال ليقتعدوا مكانهم بين المتسكعين و(الشماكرية) لنُخَرِّج علماء المغرب الجدد، أو ندعو هؤلاء ل(يعطيو يد الله للمدرسة) حتى يعم تعليمهم وعلمهم الجميع. والحقيقة أن نتائج مثل هذه هي بعض أهداف حمَلة هذا المشروع التمييعي، الذين ساءهم تقدم المغرب، وتشرب الفلاحين في الأسواق القروية، والنساء في الحقول، والعمال والكادحين في جهادهم اليومي بالعربية، ونزوع فكرهم ووعيهم ولغتهم إلى العلم وتطلعهم إليه، ما دعا هؤلاء إلى إخراج الثعابين من جراب الحاوي وتوظيف المهرج. ثانيا عن التدريس بلغة أجنبية 1 وتهدف هذه الدعوة إلى التدليس على المجتمع بخطاب مصبوغ هذه المرة بصبغة تحديثية علمية تطالب باعتماد اللغة الأجنبية في التدريس لكونها لغة العلم والانفتاح. والحقيقة أن اللغة مجرد أداة، فعلا للانفتاح على العالم بمختلف معارفه وثقافاته، والتواصل معه، والنهل من تجاربه ومعارفه وخبراته. لكن الذي يملك معلومات في ذهنه بأي لغة فإنه يعبر عنها بأية لغة أخرى يتعلمها ويتمكن منها ويعرفها، ويمكنه أن يتعلم جميع اللغات التي يريدها لكون فكره يبنى من خلال التعلم بلغة معينة أيا كانت هذه اللغة وأيا كانت قيمتها. 2 أما القول بضرورة التعلم بلغة أجنبية للوصول إلى الكتب المرجعية ومسايرة البحث العلمي فمغالطة كبرى، لأن المسألة لا تتعلق بالكتب المرجعية التي على المتعلم أن يلتمسها في أي منبع أجنبي ينتج العلم، وفي أية لغة يكتسبها. ولكن تتعلق بمستوى ونوع التدريس الذي يقدم في المغرب، وهل هناك إرادة حقيقية للنهوض به، أو هناك إرادة لتشويهه وتفويت مسؤولية الدولة على تعليم أبنائها إلى من هب ودب، وتمييع المدرسة العمومية، وإيقاعها في الأعطاب، والتشنيع عليها، وعلى أسرة التعليم التي تستميت في مقاومة الإفساد، والتيئيس، والإحباط، الذي يستهدف المدرسة العمومية. ما يعني التحضير لنشر تعليم مشبوه في المغرب يتم التحضير له بمثل هذه الأقاويل والأطاريح المشبوهة. 3 وإذا كان التعليم بلغة أجنبية، فإن تعليم الأجيال سيباعد بينها وبين أمهاتها وآبائها، الأمر الذي تسقط بسببه هذه الدعوة في التناقض وهي تدعو للغة الأم والتمسك بالأم. 4 كذلك فإن التعليم بلغة أجنبية سيقتلع الأجيال من بيئتها كما هو الشأن حاليا. وسيقلل فرص التفاهم والتواصل والتلاقح والاندماج التي يضمنها التعليم بالعربية بين الأجيال. لقد ساعد التعليم بالعربية الآباء والأجداد والمحيط العام على الالتحاق الثقافي الحضاري بأبنائهم، والاستفادة من معارفهم، لسهولة التواصل معهم، ما ساهم حتى الآن ويساهم في نقل الفئات غير المتعلمة إلى التعليم، وإحداث التحول الاجتماعي بسرعة أو ببطء، رغم الواقع الهجين المتعثر اليوم بتعثر مشروع التعليم والتعريب. وأما المتعلمون بلغة أجنبية والأمثلة قائمة شاهدة في واقعنا اليومي المتمثل في أجيال المتخرجين أو المتعلمين بلغات أجنبية، فإنهم يخرسون مع أمهاتهم وآبائهم ومحيطهم، ويعانون من صعوبة التواصل معهم والتفاهم والتلاؤم، فأحرى أن يوصلوا معلوماتهم إليهم. بالتالي لا يفيدون أمهاتهم ومحيطهم ولا يخدمونهم ولا يطورونهم. بل إنهم يهجرونهم حد القطيعة غالبا ويتباعدون معهم وينصرفون عنهم إلى الوسط اللغوي الثقافي الذي يرتاحون فيه، فلا يستفيد المجتمع الفائدة المزدوجة من التعليم، المتمثلة أولا في عملية المثاقفة الطبيعية التي تسمح بحقن المعارف المكتسبة في المجالات الخاصة والعامة، وهي آلية أساسية لتوسيع دائرة تأثير الأفراد في مجتمعاتهم وشيوع المعرفة، ما يؤدي إلى انخراط المجتمع برمته في التنمية. 5 ثم إن التعليم بلغة أجنبية وباللهجة الدارجة سيسمح بتقليص وخفض عدد المتعلمين وتحديدهم في العدد والنوعية التي يحتاجها ذلك الأجنبي لمساعدته، لأن القاعدة العريضة ستنحدر إلى الأمية. 6 ستظل حاجيات مجتمعنا بعيدة عن هؤلاء المتعلمين المستغربين الذين سينفصلون عن هذا المجتمع ويعيشون حياتهم الفوقية السطحية التي تجعل البرامج والتوجهات والجهود التي يبذلونها نخبوية مستغربة تعمق التخلف ولا تعالجه، وهو ما وقعت فيه أو فعلته معظم النخب التي سيرت المغرب منذ الاستقلال حتى الآن، بما أحدثته من قطيعة بين الطبقات، وتعميق للاختلالات، وإدامة للتخبط والتخلف والإفساد والضياع. إن الإشكالية الأساسية هي في الإجابة عن السؤال المركزي: هل نحن كشعب لدينا حضارة ومكتسبات، أم إننا عراة ثقافيا وحضاريا نبحث عن الانتماء؟ وهل نحن كشعب لدينا إرادة لبناء ذاتنا وكياننا وشخصيتنا التي اكتسبناها ورسخناها على مدى قرون، أم إننا نهدف إلى تدمير مكتسباتنا العلمية الثقافية التاريخية، ونسعى للانسلاخ من هذا التاريخ وهذه الحضارة التي راكمناها وامتلكناها، وللانتماء كموالي لثقافة وحضارة أخرى ربما تندحر وتنهزم يوما في الصراع الحضاري الطبيعي، لنجد أنفسنا مثل الغراب المتغرب المغترب، بدون تاريخ ولا هوية، لأننا كنا خدما في مجتمع يسخرنا، ولثقافة تمتلكنا وتستخدمنا. بل ربما نكون خدما في مشروع ولمجتمع ولغة عدائية عدوانية تبتزنا وتستعمرنا وتهيننا بتلك النظرة الدونية التي تلازم الكائنات المنحازة أمام العناصر الأصيلة. مواجهون بالكراهية والرفض والتبخيس التي يعاني منها المهاجرون اليوم في المجتمعات التي خدموها. الواقع أن مثل هذه الأطروحات التدليسية، تؤكد وجود جهات تتربص بالمغرب والأمة لمحو الهوية الوطنية، وتعمل بكل الوسائل لتشويهها، وزعزعة استقرار البلاد، وضرب تماسكها ومكتسباتها، وزرع عناصر الاقتتال والصراعات والفوضى في بنياتها الداخلية، ودحرها نحو الأمية والجهل والجهالة. إن ثقافة الكراهية والعنف والعدوان، وأمراض القوة والهيمنة والشره التي أنتجت الاستعمار في الماضي، ما زالت تسكن كثيرا من دهاقنة الفساد والعنصرية وعبدة المال، الذين يتاجرون بالإنسان والحياة، ويشعلون نيران الفتنة في كل مكان من العالم. أن كثيرا من خبراء السياسة الدولية يعتبرون مثل هذا المشروع، استعماريا متحالفا مع الصهيونية، لا يستهدف اللغة وحدها ولكن يستهدف الأمة والحضارة والإسلام والوجود العربي والإسلامي.