لأول مرة، يحكي البشير الهسكوري، المستشار الدبلوماسي في صندوق النقد العربي في أبوظبي، مرفوقا بشقيقه صالح، أستاذ الرياضيات في جامعة الأخوين، سيرة والدهما، احمد بن البشير الهسكوري، الرجل الثاني داخل قصر الخليفة، مولاي الحسن بن المهدي، والذي كان يلقب ب»البحر» والحاكم الفعلي. على «كرسي الاعتراف»، يحكي الهسكوري كيف وضع السلطان مولاي عبد العزيز ابنته، للا فاطمة الزهراء، بين يدي والده وهو يقول له: «بنتي في حجرك وفي حجر الله يا بن البشير»، وكيف رفض محمد الخامس زواجها من مولاي الحسن، وبالمقابل اعترف بابنٍ لمولاي عبد العزيز ظل ينكر نسبه إليه. في هذا الحوار الاستثنائي، نتعرف على خفايا التنافس على العرش، والصراع الذي عاشه الخليفة مولاي الحسن، بين الوفاء للسلطان محمد بن يوسف، وتأييد صهره محمد بن عرفة، وكيف أن الصدر الأعظم، المقري، انتقل إلى طنجة ليقول لبن البشير: «عافاك قل لصاحبك لكلاوي يرجع لعقلو». في «كرسي الاعتراف»، يحكي الهسكوري صراع والده مع المقيم العام الإسباني، الجنرال غارسيا بالينيو، الذي اتهمه بمحاولة قتله، وكيف أرسل الجنرال فرانكو ابنته كارمن إلى بن البشير لتلطيف الأجواء. في هذا الحوار، نكتشف أسرار دعم بلبشير للمقاومة الجزائرية بالسلاح، وعلاقته ببوضياف وبن بلة وفرحات عباس، وكيف أنجز وثائق مغربية مزورة لبومدين وأدخله مستشفى بنقريش للعلاج من مرض السل. كما نطلع، حصريا، على عشرات الرسائل المتبادلة بين بن البشير وأمين الحسيني والتي يعترف فيها الأخير للأول بدعم المقاومة الفلسطينة بالمال. - في 1955، وقبيل عودة محمد الخامس إلى عرشه، اتصل رئيس البيت المدني للجنرال فرانكو، الماركيز دي ويطور دي سانتيان (El marqués de Huétor de Santillán)، بوالدك يخبره بأن زوجته الماركيزة سترافق كريمة فرانكو، كارمن، إلى طنجة للتسوق، وطلب منه أن تكون الأميرة للافاطمة الزهراء، ابنة السلطان مولاي عبد العزيز (زوجة الخليفة مولاي الحسن بن المهدي)، ووالدتك للازبيدة الريسوني في استقبالهما؛ ماذا كان الغرض الحقيقي من هذه الزيارة؟ فعلا، نزلت كارمن، ابنة فرانكو، في طنجة، مرفوقة بالماركيزة دي ويطور دي سانتيان، وتمت ضيافتهما في إقامة الشريفة للا فاطمة الزهراء، لأخذ قسط من الراحة؛ بعدها قامت بالتبضع واقتنت بعض المشتريات من غالري لافاييط، وكان ذلك مجرد «سبّة» لأن مدريد فيها من المحلات الفاخرة ما لم يكن يوجد في طنجة طبعا. بعدها، التفتت إلى الشريفة وقالت لها: لقد بعثني والدي للتحدث إلى الخليفة مولاي الحسن بن المهدي لإعادة العلاقة بين القصر الخليفي والإقامة العامة إلى طبيعتها. حينها كانت العلاقة مجمدة بفعل افتعال المقيم العام فالينيو «Rafael Garcia Valino» قضية اتهام والدي بمحاولة قتله ومتابعته إياه أمام المحكمة العسكرية الإسبانية بتلك التهمة؛ حينها أيضا، كان والدي يشير على الخليفة بعدم توقيع الظهائر؛ كما أن الوزارات الخليفية كانت مجمدة. وكرد فعل من الحكومة الإسبانية على ذلك، طالب فرانكو بإعفاء والدي من كل مهامه... في هذا السياق، انتقلت كارمن فرانكو من طنجة إلى تطوان، وقد تظاهرت سلطات الإقامة العامة الإسبانية في تطوان بعدم معرفتها بهذه الزيارة (مستغربا: هل سيخفى على الإقامة العامة أن ابنة فرانكو في تطوان؟!). المهم أن كارمن دخلت رفقة والدي إلى القصر الخليفي حيث اجتمعت معه ومع الخليفة، فيما بقيت الماركيزة دي ويطور مع والدتي، لأنها في مرتبتها من حيث البروتوكول، فوالدتي زوجة رئيس الديوان والماركيزة زوجة رئيس البيت المدني للجنرال فرانكو. وقد قضت الماركيزة ليلتها في بيتنا هذا (حيث أجري الحوار) بينما قضت كارمن فرانكو ليلتها في ضيافة دار المخزن. - ما الذي دار بين كارمن فرانكو والخليفة مولاي الحسن بن المهدي ووالدك؟ لم نعرف ما الذي دار بينهم في ذلك الاجتماع، فلم يخبرنا والدي بتفاصيله. المهم أن كارمن اجتمعت بالخليفة ووالدي، بشكل مغلق، بعد حفل العشاء الذي نظم على شرفها. وفي اليوم الموالي، انتقلت كارمن والماركيزة، مصحوبتين بالأميرة للا فاطمة الزهراء ووالدتي، إلى طنجة حيث ركبتا الباخرة في اتجاه «الخوزيرات». - كيف كانت وضعية مناطق سيدي إفني، وما كان يسمى بالصحراء الإسبانية، أي الساقية الحمراء ووادي الذهب، في ذلك الوقت؟ المناطق الصحراوية، ومنذ نهاية الحرب الأهلية الإسبانية في 1939، لم تعد تابعة لملك إسبانيا، كما كان عليه الأمر في عهد الملكية، أو للحكومة الإسبانية في مدريد، بل أصبحت تابعة للإقامة العامة في تطوان، على عهد المقيم العام بيكبيدير«JuanBeigbeder - 1 3 أبريل 1937 - 17 غشت 1939)؛ وبمقتضى ذلك، أصبحت إدارة هذه المناطق خاضعة للحكومة الخليفية في عدد من الأمور. وفي هذا السياق، نشأت علاقة قوية بين والدي ومربيه ربه، نجل الشيخ ماء العينين، الذي كان، خلال زياراته لتطوان، يقضي يومه في منزلنا هذا، ويبيت ليله في منزل بنيعيش، لأن البنيعيشيين كانوا «قابضين الوِرد ديال ماء العينين» (أي مريدين تابعين للطريقة الفاضلية المنسوبة إلى محمد فضل ثم إلى ماء العينين)، وقد كان مربيه ربه قريبا من فرانكو، كما أنه بعث بمقاتلين من الصحراء للقتال إلى جانب قواته ضد الجمهوريين، خلال الحرب الأهلية. - ما هي الأغراض التي أصبح مربيه ربه يزور تطوان لأجلها؟ كان يتردد على تطوان للتفاوض مع والدي على مناصب القضاة والقياد في الصحراء الجنوبية، لأن اقتراح الأسماء لشغل مناصب القضاء والقيادة كانت تأتي من عائلة ماء العينين، لكن القرار النهائي للتعيين كان يصدر عن والدي. بعدها، وأثناء استقبال مربيه ربه الرمزي من طرف الخليفة مولاي الحسن بن المهدي، كان والدي يمنحه جلبابه وسلهامه، فقد كان والدي يقول: «ما يدخلشي بهاذ لهدوم عند الخليفة». من ناحية أخرى، فعائلة ماء العينين كانت دائما تبايع الخليفة مولاي الحسن بن المهدي باعتباره ممثل السلطان. وقد كانت الصحراء تابعة للمغرب حتى وهو بلد ضعيف، واقع تحت الحماية. - لماذا كان والدك يرفض أن يُستقبل مربيه ربه وهو ب»درّاعية» الصحراء؟ والدي كان يعتبر أن الجلباب والسلهام هما لباس دار المخزن. ولتقريبك أكثر من هذا الأمر، دعني أسوق لك مثالا آخر على ذلك.. فأثناء استقبال الخليفة مولاي الحسن بن المهدي لعلال الفاسي، رفض هذا الأخير ارتداء اللباس المخزني: الجلباب والسلهام؛ فاتصل والدي بعبد الخالق الطريس وقال له: هذا أمر لا يليق، لأن الطريس بدوره كان لا يقابل الخليفة إلا وهو مرتدٍ جلبابه وسلهامه. وبما أن علال الفاسي تشبث بالدخول على الخليفة بلباسه العصري، فقد قال والدي لمولاي الحسن بن المهدي: «حتى انت اعمل الكوستيم»، وكذلك كان. وها هي صورة هذا اللقاء يظهر فيها والدي وهو يترأس الاجتماع بلباسه التقليدي، وعلى يساره مولاي الحسن بن المهدي وعلال الفاسي، وعلى يسار الأخير عبد الله كنون، وفي الجهة المقابلة له عبد الخالق الطريس.