إقالة المدربين الأجانب هل تؤثر على أداء أندية القسم الاحترافي    موجة برد وزخات قوية تستمر 3 أيام في المغرب    ما الفرق بين قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية !!!    لجنة الانضباط في الكاف تغرم نادي الجيش الملكي 15,000 دولار أمريكي    تسجيل حوادث تحطم طيران في كوريا والنرويج وكندا خلال يوم واحد    الحكومة سطرت خطة جديدة في مجال التشغيل للقضاء على البطالة ( السكوري)    مستشار رئيس حكومة القبائل يكتب عن التحرر من قيود النظام الجزائري    الصحة العالمية تكشف سر المرض الغامض في الكونغو    محمد أوشن يناقش أطروحة الدكتوراه في التاريخ المعاصر    مهاجرون ينجحون في الوصول إلى إسبانيا انطلاقا من ساحل الحسيمة    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وزخات رعدية قوية تضرب عدة مناطق    ما حقيقة استفادة الستريمر إلياس المالكي من تخفيف الحكم؟    يواجه إسرائيل بردائه الأبيض.. حسام أبو صفية طبيب بغزة "ما هزّته دولة نووية"    تقرير دولي: الجزائر وتونس في مواجهة تحديات أزمة الجوع    دراسة حديثة تظهر وجود تريليونات الأطنان من الهيدروجين تحت سطح الأرض    دراسة: اكتشاف طفرة جينية قد تساعد على إبطاء نمو أنواع من السرطان    الولايات المتحدة.. تحور فيروس إنفلونزا الطيور يثير قلقا علميا    خلال يوم واحد.. 3 حوادث طيران في كوريا والنرويج وكندا    جهود متواصلة لقطر سفينة بحرية مغربية جانحة بين الصخور قبالة الناظور    بلجيكا تحظر بيع السجائر الإلكترونية اعتبارا من الشهر المقبل    نسبة ملء سدود المغرب تصل إلى 28 % وسط تحذيرات من أزمة فلاحية    وفاة رضيع خامس بالبرد في قطاع غزة    انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    "الجاز تحت الأركان" بالصويرة .. سحر الأنغام يعانق الموسيقى العالمية    تحسن الليرة السورية مقابل الدولار    مندوبية التخطيط تتمسك بنسبة الأمازيغية وتوضح اختلافات معدل البطالة    مدينة الفنيدق تحتضن منافسات كأس العرش للفول كونتاكت لمنتخبات العصب    أرضية ملعب العربي الزاولي تُعقد مهمة الرجاء أمام صن داونز    في الذكرى الرابعة للقرار الأمريكي لاعتراف واشنطن بمغربية الصحراء :    تدريب تلاميذ ضباط الأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس.. تعزيز القدرة على التحمل وروح الفريق في بيئة صعبة    مقتل صحافية فلسطينية بنيران صديقة    مجلة إسبانية: المغرب في طريق ليصبح 'وادي سيليكون فالي' المستقبل    في مؤلف حديث.. صحفيون يروون ما لم يُرْوَ في تغطية زلزال الحوز    قيادي انفصالي يدعو لاحتلال موريتانيا ويتنبأ بتقسيم الجزائر    أبطال الكيك بوكسينغ والمواي طاي المغاربة يبصمون على موسم جيد خلال سنة 2024    تقارير.. زيارة مرتقبة للملك محمد السادس إلى موريتانيا تعزز الشراكة الاستراتيجية    حصاد 2024.. خطوات حاسمة نحو دولة اجتماعية متكاملة في المغرب    ماكرون يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار بغزة    الولايات المتحدة.. إلغاء أو تأخير آلاف الرحلات الجوية جراء سوء الأحوال الجوية    انتشار "بوحمرون" بإقليم شفشاون يدق ناقوس الخطر ومطالب عاجلة على طاولة الوزير    تحولات جوهرية في قطاع التكنولوجيا المالية خلال سنة 2024    رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صديق الأمس الذي ظهر أخيرا على حقيقته
نشر في المساء يوم 26 - 04 - 2009

صديقي الذي لم يكن يوما يحب السياسة أصبح هذه الأيام لا يتكلم إلا عنها. وبعد أن كان لا يستطيع التمييز بين ملف مطلبي وملف طبي أصبح اليوم يملك قدرة خطيرة على الحديث عن مطالب الطبقات الشعبية، وأصبحت له براهين وحجج يستطيع أن يزلزل بها أشد المحاورين صلابة.
صديقي لم يكن في يوم من الأيام معتقلا سياسيا، فهو كان يحب الحرية أكثر من أي شيء آخر، ولذلك ظل طوال عمره طليقا، ومع ذلك كتب عن السجن أحسن من الذين دخلوا إليه، بسبب حبهم للحرية بطريقة مختلفة.
صديقي أصبحت له مكانة مرموقة في المجتمع، ولشدة ما تعود على حفر اسمه بشتى أنواع الطرق كبرت له أظافر ومخالب حادة، وأصبح من المستحيل تنظيم لقاء تلفزيوني حول واحدة من قضايا الساعة دون استدعائه. وبسبب حضوره الدائم في كل الأمكنة التي توجد بها كاميرات أصبح يطلع على شاشة التلفزيون أكثر مما يطلع عليها إشهار الفوطة الصحية.
آخر مرة صادفته فيها كان خارجا لتوه من مقر إحدى الإدارات العمومية، وبيد قوية كأيدي الواثقين من أنفسهم صافحني وسألني عن أحوالي السياسية وعن آخر مقال سياسي قرأته وعن برنامجي السياسي لذلك اليوم. وبما أن أحوالي السياسية لم تكن يوما على ما يرام، وبما أن مطالعاتي السياسية لا تتعدى افتتاحيات الجرائد الحزبية التي تكيل لي الشتائم «من يوم لآخر»، وبما أنني لا أملك حتى برنامج التلفزيون لذلك المساء فبالأحرى أن أملك برنامجا سياسيا واضحا وخاصا بي، فقد اعتذرت إليه وتذرعت بأنني كائن غير مسيس إطلاقا.
لكن صديقي لازال يتذكر جيدا مواقفي السياسية في الجامعة، وكيف كنا نمشي لأسابيع طويلة في مسيرات غاضبة احتجاجا على ثمن خبزة بائسة، ولذلك ضغط على يدي برفق كما لو أنه يذكرني بهذا الماضي السياسي البعيد. فقلت له إنني شفيت بعون من الله، وإن ملفي السياسي عند الدوائر الأمنية أنظف من وسادة رضيع، وإنني لم أعد أثق في المشي خلف الأحياء وصرت أفضل بالمقابل المشي خلف الأموات في مواكب الجنازات، حتى إذا لم أكسب عطف الناس كسبت على الأقل الثواب من الله.
وبما أن وقت صديقي أصبح ثمينا ولا يسمح بإطالة الحديث، فقد ودعني وتمنى لي يوما سياسيا طيبا، وتمنيت له بدوري مستقبلا سياسيا سعيدا، ومضى كل منا في طريقه.
وفي المساء، عندما وضعت رأسي فوق الوسادة، تذكرت صديقي وفكرت قليلا في مستقبله السياسي السعيد الذي ينتظره. سيصبح وزيرا في الحكومة، سيصبح رجلا مهما. كلمة منه ستكون كافية لكي يرتعد منه موظفو السلالم الإدارية الشاهقة، ونصف كلمة منه ستكون كافية لكي يغمى على موظفي السلالم الواطئة. سيصبح لديه نفوذ في كل مكان، وهكذا سيشبه أخيرا حيوان الأخطبوط الذي كان مغرما بصيده بالغانجو في شبابه تحت الصخور البحرية التي كانت تقابل منزل والده القروي الذي كان يبيعه للأجانب الذين يأتون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع على الشاطئ.
صديقي سيركب أفخم السيارات، هو الذي كان يركب حافلة الخط الوحيد الذي كان يصل قريته بالعاصمة. سيقطن أرقى الأحياء، هو الذي لم يسكن أبعد من حذائه. وستصبح له أيضا بطن سمينة، هكذا لن يسخر منه زملاؤه بعد اليوم بسبب سراويله الساقطة دائما عن محزمه النحيل.
لفرط حرص صديقي على احترام «النظام»، ابتعد طوال حياته عن الفوضى، لذلك صار تنفسه منتظما ودقات قلبه منتظمة ومشيته نظامية إلى أبعد حد. وبسبب نظامه الزائد عن اللزوم صار على أطفاله إذا أرادوا مشاغبته في البيت أن يطلبوا أولا ترخيصا قانونيا من طرفه.
صديقي لفرط مجاملاته تحول إلى منافق فوق العادة، وبسبب الإفراط في النفاق أصبح صديقي يحسب كل صيحة عليه، فانتهى مصابا بالقشعريرة المزمنة، وهكذا تشققت أسنانه في أكثر من ارتعاشة.
ولكثرة ولع صديقي بالخوض في الوحل اشترى محلا كاملا من الأحذية ذات العنق الطويل. وصار يصطاد في الماء العكر، ويتنقل مثل بطة متسخة من بركة موحلة إلى أخرى.
صديقي رجل وطني، ولذلك لم يفقد أي عضو من أعضائه في الحرب دفاعا عن الوطن، واحتفظ بأطرافه كاملة، بما في ذلك لسانه الطويل الذي لا يتوقف عن رواية البطولات. وبسبب ثقل النياشين والأوسمة التي على صدره صارت خطواته بطيئة وكلامه رزينا، حتى خوفه القديم صار رزينا، ولم يعد ينبطح على بطنه كلما سمع صوتا غريبا، وإنما صار ينط من كرسي إلى آخر متأبطا حقيبة وزارية ثقيلة عوض البندقية القديمة التي غيرها من كتف إلى كتف.
ومن شدة استغراقي في التفكير حملني النوم، وحلمت أنني التقيت صديقي ذات يوم صدفة خارجا من مقر إحدى الوزارات. فمددت إليه يدي مصافحا فلم يستطع مد يده لمصافحتي. فقد تحول المسكين كله إلى بطن كبيرة واختفت يداه ورجلاه ورأسه وراح يتدحرج ككرة أسمال بين الطرقات. وعندما استيقظت مفزوعا من النوم، خفت على مستقبل صديقي السياسي ورحت أسأل عنه لأخبره بالكابوس. فأخبروني بأنني لن أعثر عليه لأنه منشغل هذه الأيام كثيرا بالبحث عن جهة حزبية تمنحه تزكية تحتضن مشروعه السياسي الطموح، وأنه بسبب ذلك يتدحرج بين مقرات الأحزاب، وأن بطنه ينتفخ أكثر فأكثر.
لشدة حب صديقي للسياسة أسس حزبا خاصا به يعفيه من مذلة تسول تزكية الأحزاب الأخرى، ولفرط تشبثه بمبادئ حزبه انخرط فيه بمفرده، ولكي يفسح المجال لنصف المجتمع للمشاركة في برامج الحزب أدخل معه زوجته وحماته. وعندما انتهت الانتخابات وتعب من الصراخ والشعارات حان الوقت لكي يجني ثمار نضاله السياسي المستميت، وذهب إلى مقر الحكومة ليتسلم حقيبته الوزارية. عندما سلموه الحقيبة علق عضويته من الحزب على مشجب دورة المياه وارتدى بيجامته ودخل إلى غرفة نومه وسكن إلى نفسه.
صديقي تغير كثيرا، إلى درجة أنني لم أعد أتعرف عليه بسهولة وسط مستنقع السياسة. في الواقع إنه لم يتغير، أنا الذي تغيرت نظرتي إليه، أما هو فقد كان دائما هكذا، الذي تغير اليوم أنه ظهر على حقيقته، هذا كل ما في الأمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.