رغم فقدانه أطرافه العليا، أصر عبد العزيز البوديري على تحقيق حلم قيادة السيارة، وتغلب على مجموعة من التعقيدات القانونية والتقنية التي حالت دون بلوغ هدفه، لكن مع ذلك استطاع الحصول على رخصة القيادة وممارستها بأطراف اصطناعية كلفته الكثير.. تعود ذكرى الإعاقة الجسدية إلى سنوات خلت، بمزيج من الحسرة والحزن يتذكر البوديري ذاك اليوم قائلا:«كنت وقتها في العاشرة من عمري، ورحت ضحية حادثة خطيرة بإحدى مطاحن الحبوب دون أن يكون لدي أي تأمين، استيقظت في المستشفى دون ذراع ونجوت من الموت بقدرة إلهية». دفعته أسفاره المتعددة إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وهولندا وبلجيكا منذ سنة 1975، إلى التفكير في سياقة السيارة بدون ذراع. كان حينها مستخدما لدى إحدى الجمعيات البريطانية العاملة في حقل رعاية وتمدرس وتكوين المعاقين حركيا، وكانت إقامته في إنجلترا في بعض الأحيان تستغرق طيلة العطلة الصيفية من أجل تركيب الأطراف العليا الاصطناعية والتدرب على استعمالها.. يقول البوديري ل«المساء:«عملت على زيارة مراكز تعديل وتعلم سياقة السيارات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وأعجبت بشخص ولد أصلا بدون أطراف عليا، وهو يسوق سيارته من نوع Mini في لندن وهي مجهزة له لاستخدام الرجلين فقط وبتمويل تام من المصلحة الاجتماعية للحكومة الإنجليزية». بادر الشاب المغربي إلى التعرف على مسؤولي المركز، ووصف لهم ظروف إعاقته، ولم يتردد المختصون في تزويده بتفاصيل التصميم والتعديل الواجب إجراؤه على السيارة، لتبين له فيما بعد أنه أمر غير معقد وأن سيارته في حاجة فقط إلى إدخال التعديل المرتبط بالتحكم في مقود السيارة، أما باقي التعديلات الخاضعة للسيارة الإنجليزية فليس في حاجة إليها بحكم طول وقوة عضلات أطراف البوديري السفلى وبحكم استعماله لأطرافه العليا الاصطناعية في كثير من الأشياء كالإشارات الضوئية والتحكم في العلبة الأوتوماتيكية... لم يكن السائق المغربي يتوقع أن النماذج الغربية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في مجال السياقة ستكون فعالة، خصوصا النموذج الألماني الذي صممه طيار ألماني فقد ذراعه خلال الحرب العالمية الثانية ووضعه على سيارة مرسيدس وفولسفاكن. بعد عودته إلى المغرب، واجه البوديري صعوبات تتمثل في ندرة إيجاد سيارات اقتصادية (6 و7 أحصنة) جديدة أو مستعملة داخل السوق المغربية، تكون مزودة بالعلبة الأوتوماتيكية وهي إجبارية للشخص المعاق. حصل البوديري على رخصة السياقة بعد رحلة طويلة، فبعد البحث في ربوع المغرب عن اقتناء سيارة اقتصادية مجهزة بالعلبة الأوتوماتيكية، تم تركيب جهاز التحكم في مقود السيارة الخاص بالرجل تبعا للتصميم والنموذج البريطاني من طرف متطوع ألماني مختص في الهيدروليك والميكانيك في ورشته بمدينة اليوسفية.. يعاني المغرب حسب هذا السائق من غياب مراكز إدخال التعديلات التقنية على السيارات حسب نوعية الإعاقة الحركية والتصديق عليها، ينضاف إليه مشكل مادي آخر:«نعاني من التكلفة الخيالية والمساطر المعقدة لشراء واستيراد سيارة جديدة مجهزة لشخص معاق مقيم بالمغرب يسعى إلى كسبها من أجل تعلم القيادة وحيازة رخصتها»، يضيف البوديري الذي لا يجد تفسيرا لسبب رفض مشروع إدخال التعديلات على السيارة من طرف عدة جهات معنية، كمركز التصديق على السيارات ومراكز التكوين المهني المتخصصة. ابتسم له الحظ على متن سيارة رونو 11 تم العثور عليها بمدينة طنجة بمساعدة أحد أصدقائه سنة 1996. فبعد عملية وضع وتركيب جهاز التحكم في مقود السيارة بتقنية عالية وتصميم محكم، جاء دور تعلمه السياقة التطبيقية وكان ذلك يتم ليلا عندما تكون حركة السير منعدمة، ولم يدم تعلمه بمفرده للسياقة إلا بضعة أيام قليلة. وبعد إجراء الفحص الطبي الدقيق من طرف الطبيب المختص واللجنة الطبية، قدم عبد العزيز ملف ترشيحه لاجتياز امتحان السياقة صنفF الخاصة بذوي العاهات الجسدية. لم يقبل المهندس المسؤول عن المركز في بادئ الأمر واعتقد أن المسألة بمثابة مجازفة خطيرة، حيث طلب منه تأمينا خاصا بالمهندس ليركب إلى جانبه عند إجراء الامتحان، وهو الشيء الذي رفضته شركات التأمين. بعد مرور الوقت وبعد دراسة الملف والتأكد من هويته وتجاربه خارج المغرب ومسؤوليته كرب أسرة، قرر المهندس الموافقة على خوض البوديري امتحان السياقة في سيارته الخاصة أمام مرأى وحضور جميع المرشحين الذين اجتازوا امتحان السياقة وتمت عملية اجتياز الامتحان بشكل جيد. «ما يشرفني كثيرا هو أنه منذ حصولي على الرخصة إلى يومنا هذا، أي خلال 13 سنة، قطعت بسيارتي ما مجموعه 260.000 كلم شملت جميع أنحاء المملكة بما فيها الطرقات ذات المنعرجات الخطيرة والمسالك الصعبة، دون تسجيل أدنى مشكل لجهاز المقود أو حادثة خفيفة» يؤكد عبد العزيز بفخر..