بعد التجربة التي انخرط فيها المغرب قبل خمس سنوات، بإطلاق مشروع الكراسي العلمية، في إطار مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني من أجل مكافحة التطرف، يظهر أن بعض بلدان العالم الإسلامي بدأت تفكر في الاتجاه نحو تقليدها ونقلها إلى جامعاتها ومساجدها، على إثر التطورات التي تشهدها ساحة الدعوة والفقه والفتوى في العالم الإسلامي، وانتشار ظاهرة التطرف وأعمال العنف والإرهاب باسم الدين. هذا ما خلص إليه مؤتمر الثقافة الإسلامية لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، الذي اختتم أعماله بمكة المكرمة في الأسبوع الماضي. فقد أوصى المؤتمر في بيانه الختامي بإنشاء الكراسي العلمية «لنشر الثقافة الإسلامية وتشجيع العقول المسلمة المهاجرة في نشر الثقافة الإسلامية». وبدأت الدعوة إلى تبني مشروع الكراسي العلمية في المجالات الدينية، غير البحثية، في المملكة العربية السعودية قبل أشهر حين تمت المطالبة بإنشاء كراس علمية دائمة في المسجد الحرام والمسجد النبوي والجوامع الكبرى، بالشراكة بين وزارة التعليم العالي والرئاسة العامة للمسجد الحرام والمسجد النبوي ووزارة الشؤون الإسلامية، وأن يتم إحداث كرسي خادم الحرمين الشريفين للقراءات بالمسجد الحرام، وكرسي ولي العهد للحديث في المسجد النبوي. ودعا المؤتمر إلى إقامة مؤتمر عالمي متميز وفي أقرب وقت، من أجل مكافحة الإرهاب «وإبراز واجب العلماء والمثقفين المؤهلين في بيان الإسلام الصحيح، والتحذير من خطر الانحراف عن وسطيته إلى الإفراط والغلو أو التفريط». كما طالب بتعزيز مفاهيم الوحدة بين المسلمين والاتفاق على مشروع ثقافي يعنى بنشر الثقافة الوسطية «وينأى بشباب الأمة عن منزلقات الثقافة المغلوطة التي تنتهج الطائفية والإرهاب والغلو والتطرف، وتقوية الشراكة بين الجهات المعنية بالنهضة في الأمة المسلمة، وتعزيز التعاون في البرامج الثقافية». وأكد البيان أن الضعف والفتور الذي يعتري الأمة المسلمة في الوقت الحاضر «لا يعبر عن تاريخها الحضاري، فقد نجحت تاريخيا في الإنجازات الحضارية والانفتاح الإيجابي على الحضارات الأخرى»، كما أكد أن التنوع بين البشر «مدعاة لحفز التنافس على الخير، والتسابق في عمارة الأرض، وأن الحوار الثقافي ضرورة إنسانية للتواصل بين شعوب الأرض، مع التأكيد على براءة الإسلام من ثقافة العنف والإرهاب والغلو التي تنتشر بسبب الجهل بالإسلام، والابتعاد عن أحكامه وقيمه الحكيمة الداعية إلى التوازن والاعتدال، والتحذير من تطاول أدعياء العلم وافتئاتهم على الإسلام، وتغريرهم بأبناء المسلمين، والتأكيد على أهمية العلم والعلماء الربانيين والرجوع إليهم في مختلف النوازل». إلى ذلك، طالب البيان بتوزيع ترجمات معاني القرآن الكريم باللغات المختلفة على المسلمين وغيرهم، والتحذير من الترجمات غير الصحيحة، وتشجيع ترجمة المضامين الثقافية في الكتب والإنترنت والمعروض منها على الفضائيات إلى اللغات المختلفة، وإعداد منهج جامع لمادة الثقافة الإسلامية، ودعوة رابطة الجامعات الإسلامية إلى التعاون مع الجامعات على إنجازه، وتدريسه، وترجمته إلى اللغات الحية، إسهاما في نشر ثقافة تتفق منطلقاتها ومخرجاتها مع أسس الإسلام. جدير بالذكر أن مشروع الكراسي العلمية انطلق عام 2011 بمبادرة من مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، وهو مشروع ذكرت المؤسسة أنه يستهدف أساسا كل القيمين الدينيين العاملين بالمساجد، وخاصة الأئمة والخطباء والوعاظ، ثم طلبة العلم، ثم سائر أفراد المجتمع ممن لهم اهتمام بتحصيل العلوم الدينية. والهدف منه ترسيخ الثوابت الدينية الرسمية للمغرب، والمتمثلة في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وتصوف الإمام الجنيد.