أطلق المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي ما سماه بالحوار الجهوي حول منظومة التربية والتكوين. وهو الحوار الذي سيمتد إلى الثلاثين من الشهر الجاري بعد أن كان قد انطلق في الرابع عشر من نفس الشهر. الحوار يحضره كل المعنيين بالمدرسة المغربية من خبراء ومدرسين وتلامذة وإداريين وآباء وأولياء. وتشتغل فيه الورشات وفق خارطة طريق وضعت اليد على الإشكالات الكبرى التي تعاني منها. في أفق أن يقدم المجلس في مستهل السنة القادمة، خلاصاته الكبرى حول الإصلاح. شكلت خطوة إعادة الروح للمجلس الأعلى للتعليم، الذي أصبح اليوم مجلسا أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بداية فتح سيرة قطاع التربية والتعليم من أجل إصلاحه، خصوصا وقد أضحى معرضا للكثير من الانتقاد. وفي أولى خطواته، أعلن هذا المجلس عن اعتماد خارطة طريق قوامها ثلاثة محاورأساسية تهدف إلى وضع «تشخيص موضوعي ودقيق ومتقاسم من قبل الجميع، وتقديم مقترحات توافقية وواقعية من أجل رد الاعتبار للمنظومة التربوية، وإعادة تأهيلها». واليوم يدخل المجلس مرحلة التفعيل وهو يطلق ما سماه بالحوار الجهوي من أجل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والممتد من 14 من أكتوبر الجاري إلى الثلاثين منه. وكان المجلس قد اعتبر أن المحور الأول في خطة العمل، هو اعتماد مقاربة تشاركية وتشاورية تقوم على فتح نقاش موسع حول هذه القضية الحاسمة بالنسبة لمستقبل البلاد، من خلال تنظيم جلسات استماع وتشاور مع كافة الفاعلين المعنيين، ومن أجل تشخيص الوضعية الراهنة لمختلف مكونات المنظومة، وتقديم مقترحات أولية باتجاه إصلاحها وإعادة تأهيلها ورد الاعتبار لها. وفي هذا الإطار، برمج المجلس سلسلة من اللقاءات مع الوزراء والمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين والأحزاب السياسية، وكذا مع فيدراليات وجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وفيدراليات التعليم والتكوين الخصوصيين، والمنظمات غير الحكومية المهتمة بقضايا التربية والتكوين والبحث العلمي، وعلماء الدين، والتلاميذ والطلبة والنقابات الأكثر تمثيلية لقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي، والجمعيات المهنية. كما استقبل المساهمات الكتابية للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وجمعيات المجتمع المدني وعدد من الخبراء والمتخصصين. بل إن المجلس، اختار أن يفتح مشاورات موسعة عبر موقعه الإلكتروني، مع المواطنين المهتمين بالشأن التربوي والتكويني للمساهمة في إغناء هذا النقاش بمقترحاتهم وأفكارهم. غير أن السؤال الجوهري الذي يطرحه كل العارفين بخبايا القطاع هو هل تشكل هذه المشاورات أول طريق الإصلاح، أم أنها ستكون مجرد زوبعة في فنجان. فحينما نسترجع كل التجارب التي قطعها قطاع التربية والتكوين في المغرب، نكتشف أنها انطلقت هي الأخرى بمثل هذه الخطوة التي تعني التشاور، دون أن تحقق المطلوب. اليوم حينما نتأمل كل هذه الجموع التي حضرت لتأثيث فضاء اللقاءات الجهوية حول الإصلاح من خبراء ومدرسين وتلامذة وممثلين للنقابات المهنية وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ، لا بد أن نطرح السؤال هل يمكن بهذا الأسلوب أن نحقق الهدف الأكبر وهو وضع الوصفة السحرية التي تحتاجها المدرسة المغربية اليوم؟ لا يخفي المجلس الأعلى أن رهانه الأكبر من هذه اللقاءات التي تعرفها مختلف جهات المملكة، هو تقاسم النتائج المرحلية التي توصل إليها المجلس من خلال الحصيلة المستخلصة من مختلف التقييمات والتشخيصات والاستماعات والاستشارات التي أنجزها منذ غشت 2013، وضمنها حصيلة تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013؛ سيما مكتسبات المنظومة التربوية والمعيقات التي تعترض تطورها. كما أن إشراك أكبر عدد ممكن من الفاعلين التربويين، وشركاء المنظومة التربوية ومختلف مكونات المجتمع المغربي، في التفكير الجماعي في سبل الارتقاء بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وبلورة خارطة طريق إصلاحها، وتعبئتهم حول هذا المشروع، هوالضمان الأكبر لانخراطهم المستمر في تطبيقه. ويضيف المجلس في شرح خلفيات هذا الاختيار أن استثمار فرصة إطلاق هذا الحوار الموسع والمفتوح عبر مختلف جهات البلاد، هو من أجل تكريس المقاربة التشاركية القائمة على القرب، المعتمدة من قبل المجلس كمنهجية للعمل في إطار اضطلاعه بمهامه. كما أن هذا الحوار يندرج، بحسب ما يسعى إليه المجلس الأعلى، ضمن البرنامج المرحلي لعمل هذه المؤسسة، الذي سيتوج ببلورة تقرير استراتيجي سيقدم المجلس من خلاله رافعات التغيير اللازمة لتأهيل المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي. النتائج التي انتهى إليها التقرير التحليلي حول حصيلة تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين بين 2000 و2013، الذي يقدم منطلقا أساسيا لتقييم المنظومة التربوية، ويحدد بعض التحديات والرهانات المستقبلية المطروحة على هذه المنظومة. المثير في هذه الجلسات، والذي كان موضوع نقاش حاد أحيانا، هو أنها نظمت بمشاركة من سماهم المجلس بالفاعلين والشركاء الأساسيين للمنظومة. وهم هنا أساتذة التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم العالي؛ ومدرسو التعليم العتيق؛ ومنشطو برامج محاربة الأمية، ومكونو التكوين المهني. بالإضافة إلى المسؤولين عن الأكاديميات والنيابات الإقليمية للتربية الوطنية؛ والمديرون والأطر الإدارية للمؤسسات الابتدائية والثانوية ومراكز التكوين المهني ومؤسسات التكوين في مهن التربية؛ ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ومديرو مؤسسات التعليم العالي؛ وجمعيات آباء التلاميذ؛ وممثلو التلاميذ والطلبة والمتدربين بالتكوين المهني؛ وممثلو المجتمع المدني؛ والنقابات؛ والأحزاب السياسية؛ وممثلون عن الفاعلين الاقتصاديين؛ والجماعات الترابية؛ وبرلمانيو الجهة؛ والمندوبون الإقليميون لقطاعات الثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية؛ وممثلون عن القطاعات الوزارية كالشباب والرياضة، والصحة، والداخلية، والسكنى والتعمير وسياسة المدينة ومشاركون من عالم الثقافة والفن؛ والصحافة المحلية. هذا مع فتح «منتدى للتواصل المفتوح» forum على موقع المجلس الأعلى الإلكتروني، والذي يمكن للجميع التفاعل معه من خلال الأسئلة التي يطرحها. لم تحمل الكثير من جلسات الحوار التي أطلقها المجلس الأعلى فائض القيمة الذي انتظره جل الذين واكبواها أو شاركوا في أوراشها بالنظر إلى الأعداد الكبيرة التي تلقت دعوة الحضور. وهو ما حول الورشات التي يفترض أن تكون محطة عملية لما يجب أن يكون، أكثر منها فرصة لإطلاق المتمنيات، إلى فصاء للنقاش العام وغير المؤطر، على الرغم من أن رئيس المجلس السيد عمر عزيمان كان قد عقد ندوة صحافية ليلة إطلاق جلسات الحوار أرادها أن تشكل أرضية لما يجب أن يكون عليه الأمر. ومن أهم الملاحظات التي توقف عندها عزيمان بعد أن انتقد عدم استمرارية السياسات التربوية، هي المتعلقة بستة مجالات هي التعليم الأولي، الذي مازال في حاجة لمجهود أكبر، والهدر المدرسي في كل الأسلاك التعليمية، والذي قال الرئيس إن وضعه كارثي، ثم التحصيل المدرسي، وتدريس اللغات ولغة التدريس، وهو المشكل الذي يعترف الجميع أنه في حاجة لقرار سياسي حازم. بالإضافة إلى التكوين الذي يحتاجه المدرسون. والتكوين المهني ومشاكله التي هي في حاجة أيضا لإجراءات فعالة. كانت هذه الملاحظات التي حملتها ندوة عزيمان ليلة إطلاق الحوار الجهوي حول الإصلاح، بمثابة خارطة الطريق التي راهن عليها المجلس. وهو الإصلاح الذي تقرر أن تخرج خلاصاته في مستهل السنة القادمة. هل ندخل مع هذا الإصلاح محطة جديدة للمدرسة المغربية، أم أننا سنكرر الأخطاء نفسها التي ارتكبت سواء مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي توقف في منتصف الطريق، أو ما عشناه مع المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم، الذي لم يكمل هو الآخر سنواته، على الرغم من أن عزيمان يعترف «أنه لو طبقنا الميثاق الوطني لكنا في وضع مريح جدا»، قبل أن يضيف «أن الميثاق مازال ورقة مهمة ووازنة، ومازالت له الجدوى الكاملة في أي عملية إصلاح».