وجد صلاح بولس نفسه امام اختيار بين دينه ومحصوله. وبولس مزارع قمح من خارج الموصل فر مع عائلته أمام تقدم تنظيم الدولة الاسلامية المتشدد اوائل غشت الماضي. واجتاح التنظيم مزرعة العائلة في اطار هجومه الذي استولى خلاله على مساحات واسعة من الأراضي في شمال العراق. وبعد اسبوعين تلقى بولس المسيحي اتصالا هاتفيا من رجل قال انه مقاتل من تنظيم الدولة الاسلامية. وسأله الرجل «نحن في مخزنك. لماذا لست هنا تعتني بعملك؟» واضاف «عد وسنضمن لك سلامتك لكن يجب ان تسلم وتدفع 500 دولار.» وحين رفض بولس أوضح الرجل العقوبة قائلا «سنأخذ قمحك.. فقط لتعرف اننا لم نسرقه لأننا اعطيناك الخيار.» ويسرد مزارعون فارون آخرون قصصا مشابهة ويشيرون الى عنصر قليلا ما يذكر من التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الاسلامية للعراق والمنطقة. فقد أصبح التنظيم يسيطر الآن على جزء كبير من امدادات القمح في العراق. وتقدر الأممالمتحدة أن الارض الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية توفر ما يصل إلى 40 في المائة من الانتاج السنوي للعراق من القمح وهو من أهم المواد الغذائية في البلاد إلى جانب الشعير والارز. ويبدو أن مقاتلي التنظيم يعتزمون ليس مجرد الاستيلاء على أراض وإنما أيضا إدارة الموارد وإدارة حكم الخلافة التي أعلنوها من جانب واحد. والقمح واحد من الأدوات تحت تصرفهم. وبدأت الجماعة استخدام الحبوب لملء جيوبها ولحرمان خصومها وخاصة أعضاء الاقليتين المسيحية واليزيدية من امدادات غذائية حيوية ولاستمالة السنة في حين تشدد قبضتها على الاراضي التي استولت عليها. ومثلما فعل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا فقد أبقى في منطقة شمال العراق التي تمثل سلة الخبز للبلاد على موظفي الدولة وعمال صوامع القمح في أماكنهم لمساعدة التنظيم في إدارة امبراطوريته. ويمثل هذا النوع من التكتيكات احد الاسباب التي تجعل تنظيم الدولة الاسلامية تهديدا أكثر تعقيدا من شبكة القاعدة التي خرج من عباءتها. فقد ركزت القاعدة على هجمات الكر والفر والتفجيرات الانتحارية لكن الدولة الاسلامية تعتبر نفسها جيشا وحكومة. وقال علي بيند ديان وهو رئيس نقابة للمزارعين في بلدة مخمور قرب ارض تسيطر عليها الدولة الاسلامية بين اربيل والموصل «القمح سلعة استراتيجية. وهم يستغلونه قدر ما يمكنهم.» وأضاف «من المؤكد أنهم يريدون الاستعراض والتصرف كأنهم حكومة.» ويحتل المقاتلون السنة وحلفاؤهم الآن أكثر من ثلث العراق ومساحة مماثلة في سوريا المجاورة. ولا تقتصر مصادر دخل الجماعة على القمح فقط وانما تشمل ايضا «الضرائب» الي تفرضها على أصحاب الاعمال والنهب والفدى للأفراج عن غربيين مخطوفين وبصورة خاصة بيع النفط إلى تجار محليين. ويقول لؤي الخطيب وهو زميل زائر في مركز بروكينجز الدوحة في قطر إن النفط يدر ملايين الدولارات كل شهر. ويساعد ذلك في تمويل العمليات العسكرية للدولة الاسلامية كما أنه سبب استهداف الضربات الجوية التي تقودها الولاياتالمتحدة لحقول النفط التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا. ويقول تشارلز ليستر وهو زميل زائر آخر في مركز بروكينجز الدوحة إن «الدولة الاسلامية تقدم نفسها كما لو أنها دولة تماما.. وكي يمكنها الحفاظ على تلك الصورة وهذا التمثيل الحيوي لاستمرار التجنيد والشرعية فانها تعتمد على مصدر مستدام للدخل.» في أوائل غشت تابع المزارع الكردي سعيد مصطفى حسين عبر نظارات مكبرة مقاتلي الدولة الاسلامية وهم يحملون القمح الى أربع شاحنات انطلقت لاحقا في اتجاه قرى عربية. وقال حسين انه لا يعرف ما حدث لقمحه لكنه يعرف أن التنظيم يدير أربعة مطاحن في المناطق التي يسيطر عليها ويرجح أن قمحه طحن وتم بيعه. وقال حسين «ما زاد الطين بلة انني كنت عاجزا عن منع ذلك.. لم يمكنني عمل أي شيء. اخذوا مولدين للكهرباء من القرية كنا تسلمناهم حديثا من الحكومة الكردية بعد عملية طويلة جدا.» ويمنع الفزع السكان من العودة حتى رغم أن المقاتلين الأكراد لهم السيطرة الآن. وقال عبد الله نميق محمود «نعتقد ان الدولة الاسلامية زرعت الغاما لتمنعنا من العودة.» وقال المزارع يونس سعيد الله وهو في الثانية والستين من العمر «هربنا بالاموال والذهب لكن تركنا القمح والاثاث وكل شيء آخر.» وأضاف وهو يجلس في خيمة في مخيم تديره الأممالمتحدة على مشارف اربيل «راح كل شيء بنيناه على مدى 20 عاما. عدنا إلى الصفر.»