يشهد قسما البرمجة والإنتاج في القناتين الأولى والثانية هذه الأيام «دينامية» حقيقية في استقبال المشاريع والتأشير على بعضها، بالتزامن مع تواصل عملية تصوير العديد من المشاريع التلفزيونية السيتكومات والمسلسلات) الأخرى التي نالت «رضا» المسؤولين عن الإنتاج، في انتظار أن تقدم هذه الأعمال خلال شهر رمضان القادم. وإذا كان برنامجا «القدم الذهبي» و «لالة لعروسة» من جهة وبرنامجا «كوميديا شو» و«كوميديا»، و«استوديو دوزيم» و «شالانجر» من جهة ثالثة، تكلف المغاربة الملايير من السنتيمات، مع بقاء سؤال الجودة معلقا إلى حين، فإن الأمر ذاته ينطبق على الإنتاجات الدرامية (مع تحفظ كثير على مفهوم الدراما) التي تطرح حول «قنوات» قبول إنتاجها الكثير من الأسئلة المقلقة، وحول الميزانية الضخمة التي تخصص لتنفيذ إنتاج على حساب أخرى، وحول هيمنة شركات إنتاج دون أخرى، هذا فضلا عن حقيقة انسجام قرار منح دعم منتوج معين مع دفتر التحملات الذي ينص على شرط توفر الجودة واحترام ذوق المشاهد. وفي هذا السياق أسر مصدر مقرب من قسم الإنتاج في القناة الثانية أن إنتاج حلقة وحيدة من مسلسل مغربي يكلف الميزانية 30 مليون سنتيم، مما يعني أن المسلسل في غالب الأحيان يكلف 900 مليون سنتيم، هذا باستحضار معطيين أساسيين، الأول هو أن العقود تنص على ضرورة استلام القناة الحلقات جاهزة للبث(BAD)، والفرق بين الجاهز وغير الجاهز يقدر بحوالي 30 في المائة من الميزانية، وغالبا ما لا يحترم المنتج هذا الشرط، الأمر الثاني- يضيف المصدر- أن القناة ملزمة بإتمام العمل في حالة حدوث مشاكل، وهذا ما يفترض ميزانية أخرى تنضاف إلى المبلغ المخصص للعمل، وهو ما يجعل العمل يتجاوز مليار سنتيم في غالب الأحيان. وفيما تعذر ضبط الأرقام من قسم الإنتاج، لأسباب يعرفها الراسخون في العلم والإنتاج، أكد مصدر آخر أن القناة الأولى تنتج الأعمال بمبلغ يتراوح بين 12 و13 مليون سنتيم، وأضاف أن مسلسل «المستضعفون» الذي أنتجه حسن فلان تراوح بين 16 و17 مليون سنتيم، مع تأكيد مصدر مقرب من مسلسل «الغريب» الذي تخرجه وتنتجه ليلى التريكي أن ميزانيته تتجاوز هذه الأرقام بشكل كبير. وأضاف المصدر أن ميزانية السيتكومات غالبا ما تحدد في رقم يتراوح بين 15 مليون و16 مليون سنتيم للحلقة، مع هامش الارتفاع والانخفاض الذي تفرضه معايير «تفاوضية» يستفيد منها منفذ الإنتاج و«ممثلو» القناة. وفي السياق ذاته تخصص القناتان مبلغا يتراوح بين 100 مليون و120 مليون سنتيم لإنتاج فيلم تلفزيوني، مع حالة استثنائية وحيدة في القناة الأولى، حينما خصص مبلغ 150 مليون سنتيم للفيلم التلفزيوني «جبروت»، مع التذكير أن عملية دعم المنتوج الدرامي انطلقت برقم لم يتجاوز 50 مليون سنتيم، قبل أن يبدأ مسار ميزانية الإنتاج في الارتفاع، لأسباب قال البعض إنها متعلقة بارتفاع أجور الممثلين المغاربة. هي أرقام مهمة وتترتب عنها أسئلة أساسية، ما هو المسار الطبيعي الذي تتخذه المشاريع، قبل أن تتحول إلى أعمال منتَجة؟ وما هي المسارات الموازية؟ المسار الطبيعي أن تستقبل لجنة القراءة الأعمال الدرامية المقترحة، وترفع تقريرها إلى قسم الإنتاج بقبول أو رفض عمل معين، في هذا الإطار أكد مدير القناة الثانية سليم الشيخ في الندوة التي نظمها مؤخرا أن لجنة القراءة تشتغل بشكل عاد، وهو الأمر الذي زكاه العلمي الخلوقي مدير قسم البرمجة والإنتاج في القناة الأولى في تصريح سابق ل«المساء». على نقيض ذلك، أكد مصدر مطلع على عمل لجنة القراءة في الأولى، أن العديد من الأعمال أشرت عليها لجن القراءة السابقة، لم تر النور، وهي رهينة رفوف مكتب «الخلوقي»، في الوقت الذي صورت فيه إنتاجات، بقرارات فوقية مباشرة من الإدارة، دون أن تمر على لجن القراءة، كما حدث في السلسلة التلفزيونية كاميليا التي تقرر عدم بثها، أياما فقط قبل موعد تقديمها، رغم الميزانية التي خصصت لها وبلغت حوالي 500 مليون سنتيم، أو كما حدث في 30 فيلما «صناعيا» التي «منحت» بقدرة قادر لأليان بروديكسيون لنبيل عيوش، قبل أن يتأكد للنقاد عدم صلاحية بثها. والأمثلة كثيرة في هذا الإطار. وفي الإطار ذاته، اعترف مخرج مغربي شهير في كثير من أحاديثه، بما أسماه رشاوى فرضت عليه لإنتاج مسلسل «الأول»، قدرت بمبلغ 30 مليون سنتيم ، قبل أن يتخذ المخرج المولييري «وجهة تلفزيونية ثانية»، كان فيها اللقاء مع «منفذ» إنتاج شهير ومخرج أكثر منه شهرة ووسطاء وأسماء من البث والبرمجة سنأتي على تفصيلها و«فضحها» مستقبلا وفي أعمال «محددة»، هذا فضلا عن دخول «منتجات» ومنتجين على الخط الذي خطه «سلفهم»، بالولائم و«القصاير»، واقتطاعات من ميزانية الإنتاج الأصلية. وبعيدا عن هذه الكوابيس التي تبرز بصماتها في الأعمال المنتجة في النهاية، يطرح منتج رفض كشف اسمه- كما هو الشأن بالنسبة لأغلب المصادر تخوفا من الانتقام- سؤالا جديرا بالإشارة، هل من اللائق «مهنيا» أن يجمع مدير بالقناة الأولى بين الإنتاج والبرمجة، إذ إنه يؤشر على إنتاج عمل، إذا ارتأى أنه يخدم «برامجه»، والسؤال ذاته يطرح بالقناة الثانية: «هل يستساغ مهنيا أو أخلاقيا أن يتكفل مسؤول عن البرمجة في الثانية أو مسؤول في البث، بالتأشير بقبول منتوج تلفزيوني؟ وهل يمكن أن نخضعه في هذه الحالة للمساءلة؟ هي أسئلة عديدة تحتاج إلى أجوبة، أولها: هل يستحق المغاربة مسلسلا تلفزيونيا كلف ميزانية القناة أكثر من 800 مليون سنتيم بالصورة التي قدمها المخرج شفيق السحيمي في «عائلة البطاش»؟ وهل من الأخلاق أن نمنح المغاربة «سيتكومات» بمئات الملايين ونسمح للخياري وسناء عكرود والناصري وأسيف وفهيد وفركوس وبعض المسؤولين المتواطئين، ليعبثوا بالميزانيات وبأذواق المشاهد المغربي دون رقابة موضوعية أو حياء ذاتي.