الحسين بنعيادة يتحدث الباحث والفاعل التربوي عبد العزيز سنهجي، في هذا الحوار عن أهم قضايا الإعلام والمساعدة على التوجيه ويعرض للإكراهات التي لاتزال تقف حاجزا أمام هذا الشق الأساسي، الذي يشكل جسرا بين التربية والتكوين والشغل. - ملف الإعلام والمساعدة على التوجيه من الملفات التي تطرح بإلحاح شديد من طرف التلاميذ والطلبة والآباء والفاعلين الاجتماعيين والتربويين، ولم يبلور بشأنه المسؤولون، لحدود اليوم، أي تصور واضح يقطع مع الغموض والالتباس، فما هي في تقديرك أسباب الضعف والتردي التي تعرفها حلقة التوجيه التربوي في النظام التربوي المغربي؟ بعيدا عن التفسيرات التبسيطية أو التحليلات الاختزالية لأزمة منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه في أحد أبعادها وعناصرها، فإنني أعتقد، بأن ضعف حلقة الإعلام والمساعدة على التوجيه في النظام التربوي المغربي ليس مرده فقط لأزمة وسائل أو هياكل وبنيات، أو أزمة نصوص وتنظيمات وإجراءات، بل هي إلى جانب كل ذلك أزمة منظومة بكاملها تتغذى من الغموض والضبابية التي تلف أهداف قطاع الإعلام والمساعدة على التوجيه، والتي تتفاعل مع أزمة نظام التربية والتكوين وأزمة النظام السوسيومهني. وتتفاعل هذه الأزمات في إطار حلقة دائرية توفر مناخ إنتاج وإعادة إنتاج ظروف وسياق الوضع المتأزم. وعليه، لا نكاد نلمس أي أهداف واضحة ودقيقة مرسومة لمنظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه، سواء من أجل تنمية وترشيد النظام التعليمي تحقيقا للنجاعة والفعالية، أو من أجل المساهمة في توجيه وإعادة هندسة العملية التربوية والبيداغوجية بالمؤسسة التعليمية تحقيقا للتصالح بين المؤسسة ومحيطها الاجتماعي العام. كما أن مساطر التوجيه المعمول بها حاليا لا يمكن تصنيفها في أي مقاربة علمية، سواء التمهينية (التربية على المهن) أو التنموية الاختيارية (إنماء الكفايات المستعرضة) أو التوجيهية (المدرسة الموجهة). وعليه، في ظل المعطيات السالفة، أصبحت هذه المساطر مختزلة في عمليات تقنية وإدارية ظرفية محصورة في الزمان والمكان، مكبلة بمعطيات وإكراهات التخطيط الإداري الضيق، الذي يفكر في المقعد الشاغر أكثر ما يفكر في طبيعة التلميذ الذي يجب أن يملأ هذا المقعد. وإذا كانت منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه، كما هو متعارف عليها عالميا، يجب أن تشكل جسرا بين مثلث «التربية والتكوين والتشغيل»، كما يؤكد على ذلك المهنيون وأخصائيو المجال، فإنه لحدود اليوم لم يصدر أي قانون إطار ينظم مهام هذه المنظومة ويربط عملية التوجيه المفتوح والمستمر بمختلف الشركاء المعنيين والمتدخلين، سواء تعلق الأمر بالإدارة التربوية، أو بمصادر الأخبار والمعلومات من مؤسسات تربوية واجتماعية ومقاولات ومصانع، وبمجمل مكونات عالم المهن والتكوين والشغل ... إلخ. ويظل ضعف التنسيق والتعاون بين مختلف القطاعات الوزارية المتدخلة في المجال (قطاع التعليم المدرسي / قطاع التعليم العالي / قطاع التكوين المهني/ قطاع الشغل...) يبقى هو السائد لحدود اليوم. إضافة لذلك، أن أصعب ما يلفت الانتباه في هذا الوضع التربوي، هو أن تظل مختلف البنيات والهياكل المتدخلة في المجال سواء على المستويات المركزية أو الجهوية أو الإقليمية أو المحلية في منزلة بين المنزلتين، فلا نحن أرسينا هذه البنيات والهياكل وفق صيغها الجديدة (الوحدة المركزية للإعلام والتوجيه، الوكالة الوطنية للتوجيه، البوابة الوطنية للإعلام المدرسي والمهني والجامعي، المراكز الجهوية والإقليمية للإعلام والمساعدة على التوجيه، المناطق التربوية، فضاءات الإعلام والمساعدة على التوجيه.. ) المعلنة في مقتضيات التشريعات والمراسلات الوزارية الموجهة في هذا الباب للأكاديميات الداعية إلى تفعيل أدوار ومهام هذه المؤسسات، ولا نحن احتفظنا بهذه البنيات في صيغها القديمة (مراكز الاستشارة والتوجيه، مراكز إنتاج وثائق الإعلام ، مراكز إرشاد الطالب، المفتشيات الإقليمية، المفتشيات الجهوية... )؛ الشيء الذي بدأ يشكل واقعا جديدا يهدد استمرارية تأمين الخدمات المقدمة من طرف هذه البنيات لفائدة المستهدفين بها، ويدفع في اتجاه تنامي أساليب المقاومة وفقدان الثقة في بيئة العمل، ويفضي في نهاية المطاف إلى انسحاب أطر التوجيه نحو مواقع تربوية ووجهات إدارية أخرى. - لكن إلى حدود اليوم، لا يوجد تصور تربوي واضح متقاسم بين مختلف المتدخلين والفاعلين والمسؤولين حول منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه. وعليه، كيف يجب أن يكون عليه منطق الاشتغال التربوي ضمن مساحة العمل المشترك ترسيخا وضمانا لحق التلميذ في المساعدة على التوجيه؟ أعتقد أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين كان واضحا في هذا الباب، لقد قدم تصورا متكاملا ومنسجما لهذه المنظومة كبنية فرعية من منظومة التربية والتكوين، لا من حيث تدقيق المفاهيم والآليات ولا من حيث تحديد الهياكل والبنيات والمسؤوليات، ولا من حيث توضيح المقاربة والوظائف والأدوار، لكن مع كامل الأسف لم يتم التعاطي بالجدية والصرامة اللازمتين مع ما جاء في الميثاق. وطيلة الفترة التي تخللت الميثاق أو أعقبته لم ننتبه كدولة ومجتمع، أنه لا يمكن لنا أن نواجه تحديات ورهانات المستقبل فقط بالاكتفاء بالوظيفة التعليمية المختزلة في تلقين المعارف كوظيفة مركزية للمؤسسة التعليمية، ففي تقديري بقيت هناك حلقة مفقودة تتعلق بالوظيفة التوجيهية للمدرسة والتي يجب إبرازها وتعزيزها ضمن أدوار ومهام المؤسسة التعليمية، لأن المعرفة والتثقيف ليسا في نهاية المطاف غاية، وإنما وسيلة للاستفادة من كفاءة وإمكانات المورد البشري. إن وظيفة التوجيه، وما تمثله من بوصلة للمستقبل عبر تحقيق مطالب وحاجيات الأفراد وغايات المنظومة، وتيسير الاندماج المدرسي والاجتماعي الآني والمستقبلي... مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل بروز صيغ جديدة للتربية والتعليم والعمل مما يحتم على التلميذ امتلاك آليات لاستيعاب هذه التحولات. إضافة إلى أن التعلمات أصبحت تقاس بدرجة وظيفيتها ونفعيتها ومدى إدماجها وتطبيقها في الحياة العامة. وعليه، وجب التفكير برؤية مغايرة ومقاربة جديدة استيعابية لإشكالات المستقبل. ومن هنا تبرز أهمية اعتماد منطق ومدخل الحس التربوي الموجه للتفكير في مدرسة اليوم ومدرسة المستقبل. إن التفكير في المستقبل بمدخل الوظيفة التوجيهية هو تفكير بمنظور استشرافي، يقطع مع الأطروحات الجامدة، وينخرط ضمن جيل البرديكمات الحديثة، التي ترى في» المدرسة الموجهة» أحد المداخل الإستراتيجية لإعادة النظر في النسق المدرسي شكلا ومضمونا قصد استشراف مستقبل أصبح التغيير قاعدته والاستقرار استثناؤه. إن هذا التصور التربوي، ينطلق من فكرة مفادها أنه في صلب النجاح المدرسي والحياتي يوجد التوجيه التربوي، وفي قلب التعلمات تبرز الميولات والرغبات، وفي مساحات الأنشطة المدرسية تتبلور القرارات والاختيارات والقناعات، وضمن آليات اشتغال المدرسة يترسخ الحس التربوي التوجيهي. إن ممارسة تربوية من هذا القبيل تجعل المتعلم مسؤولا عن اختياراته المدرسية والمهنية والحياتية، وتجعل الفاعلين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين ملتزمين بالمهمة التوجيهية، ومستحضرين لها في كل مساحات الاشتغال والتدخل والفعل. من هنا، تصبح الأدوار المتعلقة بتلقين المتعلمين أنماطا من المعارف والخبرات والمهارات الفكرية متجاوزة لصالح أدوار توجيهية أكثر عمقا ودلالة تجعل من التوجيه وظيفة من الوظائف الأساسية للمدرسة، من خلال تطوير قدرات التلميذ على الفعل والمشاركة والتجريب والفهم لما يعتمل داخل المحيط الاجتماعي العام، ومساعدته على النماء الشخصي والاجتماعي والمهني في أفق تسهيل اندماجه في حاضر يستشرف المستقبل. - ألا تعتبر أن الخصاص في الموارد البشرية في هذا المجال ساهم في تعميق الأزمة، وبدأ يشكل حجر عثرة أمام تعميم خدمات الإعلام والمساعدة على التوجيه، ويعمق حرمان المتعلمين من حقهم في المساعدة على التوجيه؟ أتفق معك تماما، إن أكبر التحديات التي تواجه منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه اليوم، تتعلق بذلك الخصاص المهول في أطر التوجيه التربوي على مستوى مختلف البنيات الخدماتية والإدارية، والتي تشتغل أحيانا في ظروف غير محفزة وصعبة، مجردة من وسائل العمل (روائز، صنافات مهنية، دلائل عمل، دراسات استشرافية لسوق الشغل، نصوص تشريعية منسجمة، ميثاق أخلاقي للممارسة، بوابة وطنية للإعلام المدرسي والمهني والجامعي، تكنولوجيا الإعلام والتواصل،...) بالإضافة إلى غياب حيز زمني خاص بالمساعدة على التوجيه ضمن الزمن المدرسي وتوقف دورات التكوين المستمر. مع كامل الأسف، مسألة تعميم خدمات الإعلام والمساعدة والتوجيه بداخل المؤسسات التعليمية الثانوية، وتحقيق عمل القرب وتفعيل المقاربة التربوية المأمولة التي تبنتها المذكرة الإطار رقم 91/2005 المنظمة لمجال الاستشارة والتوجيه، والمذكرات الناظمة لمجال التوجيه التربوي 17، 18،19 الصادرة سنة 2010، كان يقتضي تعيين إطار للتوجيه على الأقل على صعيد كل مؤسسة للتعليم الثانوي، كما تؤكد ذلك المادة 101 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وهذا يتطلب مضاعفة الطاقة الاستيعابية لمركز التوجيه والتخطيط التربوي، وفي هذا الصدد أشار مخطط تطوير آليات الاستشارة والتوجيه إلى ضرورة تكوين 300 مستشار في كل سنة خلال الفترة الممتدة بين 2006 و2009، بالإضافة إلى توظيف وتكوين 1000 مستشار إضافي في التوجيه التربوي خلال فترة تنزيل البرنامج الاستعجالي2009 - 2012، الشيء الذي لم يبذل فيه أي مجهود يذكر، حيث يصعب اليوم تعميم خدمات الإعلام والمساعدة على التوجيه في ظل الأعداد المتواضعة التي تتخرج من مركز التوجيه والتخطيط التربوي.