قبل بضع سنوات، كتبت موضوعا عن فضائح العقار في المغرب، وأطلقت تلك التسمية الجميلة والرومانسية على أغنياء العقار، وهي «وحوش العقار»، وعدّدت في المقال ما أراه كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة من معاناة رهيبة للمغاربة، فأصبحت مطالبا بأداء مليون أورو، أو مليار سنتيم بالمغربية. في ذلك الموضوع، قلت تقريبا ما قاله المشتكون الذين وجهوا رسالتهم إلى الملك حول فضيحة مشروع عقاري في مدينة الحسيمة، لكنني انتقيت من كل مدينة فضيحة، ومن كل فضيحة رائحة، ومن كل رائحة استنتجت أن العقار في المغرب ليس له منعشون، بل وحوش ينهشون لحوم المغاربة صباح مساء، وأن المغرب عوض أن يكون بلدا محترما يبني لمواطنيه منازل محترمة لكي يكونوا كائنات محترمة، فإن الدولة سلمت قطاع العقار إلى وحوش صارت تتحكم في مستقبل وأخلاق وسلوك المغاربة. في ذلك الموضوع، تساءلت: هل يعقل أن تسكن أسرة مغربية محترمة في علبة وقيد من خمسين مترا فلا تجد البنت مكانا تغيّر فيه ملابسها ولا يعرف الولد كيف يتصرف أمام والديه وإخوته وضيوفه، أي أن المساحة المخصصة في الأصل لسكن فرد واحد صارت مخصصة لسكن أسرة بكاملها، وتساءلت كيف ستصبح أخلاق المغاربة بعد عشرين أو أربعين عاما وسط علب الوقيد. في ذلك المقال، تساءلت لماذا تسلم الدولة أراضي الحبوس والأملاك المخزنية وتركات اليتامى إلى وحوش العقار؟ ولماذا تغمض الدولة عيونها عن فضائح مخيفة لوحوش العقار الذين صاروا أغنى أغنياء البلاد لأن لا أحد يحاسبهم؟ ولماذا تأخذ الدولة من الفقراء وتعطي للأغنياء، بينما في كل بلدان العالم، بما فيها البلدان ذات الأنظمة الدكتاتورية، تأخذ الدولة من الأغنياء لكي تصلح أحوال الفقراء؟ أذكر أنني قلت في ذلك الموضوع ما أحس به وما يحس به المغاربة جميعا، لكن عوض أن يتم فتح تحقيق مع الوحوش، فإنه تم فتح تحقيق معي، وهكذا صرت ملزما بالوقوف أمام القاضي بتهمة السب والقذف في حق وحوش العقار الذين طالبوني بأداء تعويض بسيط للغاية، وهو مليون أورو ب»الكاوْرية»، ومليار سنتيم بالدارجة المغربية، وهو أكبر تعويض في تاريخ الصحافة بالمغرب وشمال إفريقيا! أذكر أنني أشرت في ذلك الموضوع إلى مستثمرين شرفاء في قطاع العقار، وهم حفنة من الناس لهم ضمائر أو يخافون ربهم، لكنهم قلة قليلة وسط جيش من المحتالين واللصوص والناهبين والعابثين الذين حولوا المغرب إلى جحيم وراكموا الثروات وهرّبوها إلى الخارج واستفادوا من كل الإعفاءات الضريبية الممكنة فتحولوا إلى وحوش كاسرة لا تبقي ولا تذر. بعد بضعة أسابيع على نشر ذلك الموضوع في الصفحة الأولى ل»المساء»، فوجئت بدعوى قضائية ضدي حركتها جمعية لم أسمع بها من قبل، وأعتقد أنها تحمل اسم «جمعية المنعشين العقاربِيّين» أو «فدرالية العقاريين المنتعشين» أو شيء من هذا القبيل. لكن المفاجأة لم تكن في الدعوى القضائية، لأنني أتوصل كل أسبوع تقريبا بدعاوى قضائية جديدة، أحيانا يرفعها ضدي لصوص معترف بهم من طرف الأممالمتحدة، بل المفاجأة هي أن جمعية العقاربِيّين المنتعشين طالبت بتعويض قيمته مليار سنتيم بتهمة السب والقذف، مع أنني لم أذكر في الموضوع أي اسم من أسماء الوحوش والعقارب، ولا أي اسم من أسماء الجمعيات، ولم ألمح إلى أي إنسان أو حيوان أو لص جبان. تلك الدعوى أثارت في نفسي شعورا غريبا لأني في الوقت الذي لا أزال أقطن فيه بمنزل مكترى، صرت ملزما بدفع مليار سنتيم لعقاريين يراكمون الملايير على حساب هذا الشعب المسكين، والمضحك أنني بحثت كثيرا من قبل عن منزل أدفع أقساطه، وعندما اقتنعت بأنني، مهما فعلت، لا بد في النهاية أن أسكن صندوقا إسمنتيا وأدفع شقاء العمر لوحوش العقار، توجهت إلى بادية تبعد أربعين كيلومترا عن المدينة واشتريت حقلا صغيرا أقمت فيه كوخا وحفرت بئرا وصنعت خم دجاج واشتريت معزة حلوبا، ثم فعلت ما يفعله صعاليك الأفلام الأمريكية.. أخرجت أصبعي الأوسط ووجهته إلى وحوش العقار وقلت لهم «خذوا مني هذا يا أنذال». الذين رفعوا ضدي تلك الدعوى القضائية السوريالية كانوا ينتظرون الاعتذار، مع أن الاعتذار الحقيقي يجب أن يقدمه وحوش العقار إلى المغاربة عبر رسالة مفتوحة يعترفون فيها بجرائمهم في حق هذا الشعب. ولو أن هذه البلاد فيها قانون لكنت أنا أو غيري من المغاربة مَن نُقاضي وحوش العقار وعقارب الإسمنت بسبب كل هذه الرذائل المستفحلة في البلاد بسببهم. اليوم، وبعد انفجار فضيحة مشروع «باديس» في الحسيمة، تحولت جمعية العقاريين إلى صنم يشبه صنم «هُبل» في الجاهلية، فلا هي تتحرك ولا هي تتكلم. إيوا كونوا رْجال حْتى هاد المرة وحاكموا المغاربة الذين وجهوا رسالة الشكوى إلى الملك. لماذا حركتم الدعوى ضدي فقط وطالبتموني بمليار. والله ما عنْد باباكُم لوجه.. عموما أنا أعتذر.. أعتذر عن استعمال عبارة «وحوش العقار».. وأستبدلها الآن بعبارة «شْمايْت العقار»..