وكالة الأناضول عندما نطقت الطفلة «نانا»، التي لم تُكمّل عامها الثاني، بكلمة «ساروخ» (صاروخ)، انتابت والدها مشاعر متناقضة، إذ بدأ يضحك وهو لا يكاد يُصدق أن هذه هي أولى كلمات صغيرته، فيما كان قلبه ينفطر حزنا على حال أطفال غزة، وعقولهم الغضة تختزن على مدار أسابيع طويلة صور ومفردات الحرب الإسرائيلية. وقال مصطفى ماجد والد الطفلة «نانا» إنه كان أمام مشاعر متناقضة، وهو ينصت لصغيرته وهي تتحدث بلغة الكبار، وتُردد «بابا ساروخ (صاروخ) قثف» (قصف). وتابع: «ضحكت وأنا أسمع لكلماتها، وكيف حفظت هذه المفردات، وتألمت في نفس الوقت، على حياة صغار غزة، وكيف باتت تفزعهم الحرب، والقصف والشظايا التي تتناثر حولهم، إلى درجة أن قاموس «الأبجدية»، على لسانهم تغير بأكمله» وبوم (صوت الانفجار) تُرددها الطفلة لين النخالة التي تنطق أولى كلماتها، دون أن تعي ما تقول كما تروي والدتها «هبة عاشور». وقالت: «ابنتي في عامها الأول، وتنطق بكلمة (بوم)، قسفوا (قصفوا)، وفور أن تسمع صوت الطائرات الحربية تُغمض عينيها». وأضافت عاشور، أنه من الطبيعي أن ينطق أطفال غزة، بهذه الكلمات بعد أسابيع طويلة، من القصف، وترديد مفردات العدوان. وكيف لطفل عمره خمس سنوات، عاش حربين ( 2012 - 2014) من أقسى الحروب وأعنفها أن يتحدث كما يقول أنور الشرفا الأب لثلاثة أطفال. وأضاف: «طفلي أنس 5 أعوام لا يُردد سوى ألف (أباتشي)، دال (دبابة)، حاء (حرب)، قاف (قصف) أو (قسام)، هذه العقول التي لم تعد تحفظ الصور الجميلة، وأبجدية الألف (أرنب) والجيم (جمل)، والخاء (خروف)، هم يستيقظون على الشظايا وهي تخترق بيوتهم، وغرفهم». وشرعت إسرائيل قبل 31 يومًا، بشن حربٍ على قطاع غزة أطلقت عليها اسم «الجرف الصامد»، تسببت بمقتل 1886 فلسطينيا، من بينهم 430، طفلا وفق تأكيد مصادر طبية فلسطينية. ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يمر يوم دون أن يتحول عدد من الأطفال إلى أخبار عاجلة في قصف يحوّل أجسادهم إلى أشلاء، وقطع متفحمّة. وحذرت رئيسة المكتب الميداني الذي تديره منظمة الأممالمتحدة للطفولة «يونيسيف» في قطاع غزة بيرنيل ايرنسايد من مستقبل قاتم ينتظر 400 ألف طفل أصيبوا بصدمة، جراء الحرب الإسرائيلية على غزة». وتشكو روضة حميد، 38 عاما والأم لخمسة أطفال، من أن صغارها لا يُرددون سوى «ماما (قصف)، طائرة، حرب، دم، زنانة (طائرة بدون طيار)». واستدركت:» هذه هي لغتهم، وحروفهم، يتحدثون بلغة أكبر من سنهم، ومن طفولتهم، لم تعد ألعابهم الدمية، وكرة القدم، بل المسدسات، والطائرات الحربية البلاستيكية، لقد غيّرت الحرب تفاصيل حياتهم، وتفكيرهم». ورأى «فضل أبو هين» مدير مركز التأهيل المجتمعي وإدارة الأزمات في مدينة غزة في لغة الأطفال هذه تجسيدا لواقعهم المؤلم الذي عاشوا تفاصيله على مدى الأسابيع والأيام الماضية. وأضاف أبو هين: «ماذا ننتظر من طفل يرى شقيقه يموت، وآخر يرى الصاروخ يقصف بيته؟ هل سيتلفظ بكلمة (وردة)، و(أرنب)، طبيعي أن ينسى كل المفردات الطفولية المعروفة ويستبدلها بكلمات الحرب». وشدد أبو هين على أن الحرب الإسرائيلية ستلقي بآثارها، وظلالها على لغة أطفال غزة وألعابهم وحتى نظرتهم للمستقبل، في الأعوام القادمة. وسيحتاج أطفال غزة بعد الحرب إلى برامج تعليمية ونفسية وترفيهية مكثفة للعلاج النفسي، وإزالة ما اختزنته عقولهم من صور سوداء، بحسب أبو هين.