شهدت الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية (2014) انتعاشة في قطاع السياحة بمدينة فاس، بعد «سنوات عجاف» اضطر فيها بعض المنعشين السياحيين إلى «التخفيف» من العاملين، والتقليص حتى من حجم التجهيزات، في انتظار السياح الذين فضلوا ملازمة بلدانهم، في أوربا الغربية ودول أمريكا الشمالية، التي اكتوت بنار الأزمة الاقتصادية. ويزور عدد من السياح فاس العتيقة بغرض الإطلاع على موروثها الثقافي والحضاري، كما أن المدينة تعتبر من أبرز المدن المغربية التي تحتضن ندوات دولية تستقبل وفودا مهمة من الباحثين والخبراء والمتخصصين في عدد من القطاعات. وتحتضن فاس مقر الأم للزاوية التيجانية، كما تنظم كل سنة مهرجان الموسيقى الروحية، لكن في المقابل، فإن العاصمة العلمية، بغض النظر عن كل ما تتوفر عليه من مؤهلات تاريخية وحضارية، وما يحيط بها من خصوصيات طبيعية جبلية وغابوية في المناطق المجاورة، فإنهالم تتحول إلى وجهة سياحية مقارنة مع محطات سياحية أخرى كمراكشوأكادير. وتقدم مدينة مراكش خدمات ترفيهية وثقافية للسياح، إذ تعرف المدينة بساحة جامع الفنا، في حين تخصصت أكادير في السياحة الشاطئية. ويعاني المجلس الجهوي للسياحة من صعوبات مالية خانقة، في الآونة الأخيرة، بسبب صراعات سياسية حادة بين رئيس المجلس، البرلماني عزيز اللبار، وأحد أعيان المدينة الذي ينتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وعمدة المدينة، حميد شباط، الأمين العام الحالي لحزب الاستقلال. وفي ذروة الصراعات السياسية بين الطرفين، قرر المجلس الجماعي قطع صنبور الدعم المادي على المجلس الجهوي السياحي. في الفترة الممتدة من شهر يناير إلى شهر ماي من السنة الجارية (2014)، سجلت فنادق المدينة، حوالي 374 ألف و200 ليلة سياحية في الفنادق المصنفة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة المنصرمة، والتي سجلت فيها حوالي 330 ألف ليلة سياحية، يقول تقرير لمندوبية السياحة. ولا تأخذ تقارير المندوبية الجهوية للسياحة بعين الاعتبار ليالي الإقامة في الفنادق غير المصنفة، بالرغم من أنها تحظى بإقبال كبير. كما أن كراء الشقق المفروشة أصبح يعرف تناميا ملحوظا، بالرغم من اعتباره من القطاعات العشوائية التي تشكل هاجسا حقيقيا للمنعشين السياحيين والسلطات المحلية، بالنظر إلى كونها تمثل منافسة غير شريفة للفنادق، وتؤرق السلطات لأن شؤونها غير واضحة المعالم. ويشهد القطاع في المدينة دخول مستثمرين جدد. فقد فتحت أكثر من ثلاثة فنادق كبيرة أبوابها في السنتين الأخيرتين، ويقول منعشون سياحيون إن جهة فاس مازالت تعيش الخصاص فيما يخص الاستثمارات في القطاع، لكن مع الاتجاه إلى مدن مجاورة تعاني نقصا حادا في مثل هذه التجهيزات الفندقية، كمدينة صفرو التي تنعدم فيها الفنادق، ومدينة ميسور التي يمكنها أن تساهم في تنشيط الدورة السياحية بالجهة عبر مقترحات السياحة الطبيعية. وتحتاج العاصمة العلمية إلى إجراءات أخرى مواكبة لهذه الاستثمارات المهمة والتي رافقت الانتعاشة المسجلة في القطاع في الآونة الأخيرة. فالسياح يشتكون من مرشدين غير مرخصين متطفلين، تمكنوا من نسج علاقات مشبوهة مع مختلف عناصر جهات متدخلة في تنظيم السياحة، ما جعلهم يفرضون أنفسهم بالقوة على السياحة ومداراتها في المدينة العتيقة. وتدفع ممارساتهم العديد من السياح إلى إبداء تبرمهم من التجوال في المدينة. ولا تتردد أفواج من هؤلاء المرشدين المتطفلين غير المرخصين في الاصطفاف طوابير عبر دراجات نارية من الحجم الكبير في مداخيل الطرقات الكبرى للمدينة وفي المحطات الطرقية وفي محطة القطار لرصد أفواج السياح ومرافقتهم بطرق ملتوية، وفي بعض الحالات تحت الإكراه. ويشكل تنامي هذا القطاع غير المهيكل خطرا على المرشدين السياحيين المرخصين الذين أفنوا زهرة عمرهم في دراسة اللغات، والتخصصات، واجتياز المباريات، للحصول على رخصة الإرشاد السياحي، ليجدوا بعد ذلك أنفسهم وجها لوجه مع منافسة شرسة لمرشدين بعضهم له سوابق قضائية. وساهم تسويق صورة سلبية للوضع الأمني في المدينة في جعل السياح ومنهم فئات واسعة من السياح الداخليين يقررون عدم المجيء إلى المدينة. فالأخبار التي تنشر بشكل شبه يومي حول الجرائم المثيرة وعمليات السرقة والنشل والاعتداءات باستعمال الأسلحة البيضاء ذات الحجم الكبير، تجعل السائح يفضل اختيار وجهات أخرى. كما أن قصص سياح تعرضوا أنفسهم لعمليات نصب أو ابتزاز أو سرقات تحظى بمتابعات إعلامية واسعة باعتبارها قصصا مشوقة ومؤلمة في الوقت ذاته. وإلى جانب الأوضاع الاجتماعية المتمثلة في انتشار البطالة والهدر المدرسي والفشل الأسري وانهيار القيم وإدمان تعاطي المخدرات، فإن ضعف الإنارة العمومية ونقص عناصر الشرطة المكلفة بالقيام بالتدخلات، يساهم بدوره في صنع أزمة السياحة بالمدينة.