هذه المقالة موّجهة إلى المتضامنين مع المقاومة والشعب في قطاع غزة، سواء أكانوا في بعض المواقع الفلسطينية أم العربية أم العالمية. يتجه التضامن لدعم المقاومة والشعب في قطاع غزة والأمل لدعم الانتفاضة بعد أن تندلع بصورة شاملة في القدسوالضفة الغربية لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى، ولكن مع التشديد على «بلا قيد أو شرط»، وبلا أي التزام لا يبقي الطريق مفتوحا لتحرير فلسطين كل فلسطين، وذلك ليصبح تضامنا مع مقاومة وانتفاضة ومع وحدة الشعب الفلسطيني. بداية يجب أن يُثمَّن عاليا ويُحيّا بحرارة، كل جهد متضامن مع المقاومة والشعب في قطاع غزة، فإن كان من قبل فلسطينيين في مواقع بعيدة عن مواجهة العدو فله أهمية كبرى في تأكيد وحدة الشعب الفلسطيني، وشدّ أزر المقاومين الأبطال والصابرين الصامدين الأشدّاء من الشعب الذي يتعرض إلى أشدّ ألوان التنكيل من خلال قصف البيوت وإنزال الخسائر الفادحة بأرواح الناس العاديين على أرض المعركة. وبداية يجب أن يُثمن عاليا ويُحيّا بحرارة كل جهد تضامني فوق الأرض العربية والإسلامية لنصرة المقاومين والشعب الصامد وللضغط على الأنظمة لتقف صفا واحدا في معركة قطاع غزة - الشعب الفلسطيني كله دعما وإعلاء لصوت نصرة المقاومة وشجبا لمواقف الأنظمة التي تجرّأت إلى حدّ الوقاحة المعلنة على التواطؤ مع العدو وتشجيعه على مواصلة العدوان تحت حجة ضرب حماس فيما الهدف الحقيقي تجريد المقاومة من السلاح وهدم أنفاقها داخل القطاع كما حدث مع الأنفاق على الحدود مع مصر. على أن ثمة تقديرا خاصا لداعمي المقاومة والشعب في الغرب جملة، ولاسيما في فرنسا حيث سُنّ قانون خاص يمنع التظاهر من أجل غزة، فأصبح التظاهر تحدّيا للقانون. فالتضامن من خلال الحشد الشعبي الواسع من قِبَل الشعوب الأوربية وأمريكا يشكل عاملا حاسما يصطف مباشرة، بعد بطولة المقاومة وصمود الشعب، في إنزال الهزيمة بالعدو الصهيوني، وذلك بسبب أهمية الرأي العام الغربي في أمريكا وأوربا في الصراع الذي دار ويدور بيننا وبين العدو الصهيوني. الدول الاستعمارية -الإمبريالية في الغرب، وبداية، بريطانيا ثم فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، ثم أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية- مرحلة الحرب الباردة كانت هي القوّة القاهرة التي جاءت بالمشروع الصهيوني إلى فلسطين، وأمنّت له كل أسباب الهجرة والاستيطان وأمدّته بالقدرة العسكرية ليقيم دولة كيانه. وقد تعهدتْ كيانَه بالحماية والتسليح والدعم المالي والغطاء السياسي والإعلامي، ثم قسّمت البلاد العربية وتحكمت في أنظمتها وتسلحّها وحرمتها من أية قدرة لمواجهة الكيان الصهيوني قبل نشأته وبعد نشأته حتى يومنا هذا؛ فمصدر قوّة العدو جاءته دائما من الغرب ولم تكن قوّة ذاتية يزيد دورها على 30 % على أكثر تقدير. هنا لعب الرأي العام في الغرب دورا هاما وأساسيا في دعم الحكومات الغربية كما دعم الكيان الصهيوني نفسه. على أن هذه المعادلة أخذت تتغيّر مع فقدان الغرب (أمريكا وأوربا) سيطرتهما السابقة على العالم أو على الرأي العام نفسه والذي أخذ يجنح بصورة متزايدة للتعاطف مع الفلسطينيين إلى جانب الاحتجاج على سياساته وارتكاباته التي تصل حدّ الجرائم العنصرية ضدّ الإنسانية. عندما يتشكل رأي عام غربي اليوم ضدّ سياسات الكيان الصهيوني وممارساته ويصل إلى حد إدانته باعتباره «أخطر دولة على السلم العالمي» كما عبّر 59 % من الرأي العام الأوربي عبر استطلاع رسمي أجراه الاتحاد الأوربي في عام 2003؛ فهذا يعني أن ضغطا هائلا ستتعرض له حكومة نتنياهو، كما تعرّضت له حكومة شارون، من جانب اليهود الأوربيين والأمريكيين، وهو ما فرض على شارون فك الارتباط وتفكيك المستوطنات من قطاع غزة عام 2005، وسيفرض على نتنياهو الانكسار أمام المقاومة في قطاع غزة، وقد يفرض عليه فك ارتباط آخر مع الضفة الغربيةوالقدس في حال اندلعت انتفاضة شاملة وتشاركت مع المقاومة والشعب في قطاع غزة. من هنا ندرك أهمية الدور الذي تلعبه القوى الفلسطينية والعربية والإسلامية واليسارية في الغرب، تضامنا مع المقاومة والشعب أو استنكارا للعدوان أو تضامنا مع الانتفاضة ضدّ الاحتلال والاستيطان والتهويد ومن أجل إطلاق كل الأسرى. إنه دور سيؤدي إلى كسر شوكة العدوان جنبا إلى جنب مع صمود الشعب وإنجازات المقاومة في القطاع، أو مع قضية الضفة الغربيةوالقدس إذا ما تحقق انطلاق انتفاضة شاملة. فكما السياسة الواجب اتبّاعها على أرض المعركة في القطاع والضفة الغربية بحاجة إلى توحيد كل الصفوف، بالرغم مما يقوم من انقسام أو تباين المواقف من حيث ثوريتها أو اعتدالها أو ما هو أسوأ من الاعتدال من حيث السير في خط المفاوضات والتسوية والتنازلات. كذلك يجب تبني سياسة توحّد كل القوى الفاعلة والناشطة ومن يمكن أن ينضم لتحريك الشارع والرأي العام في الغرب. وذلك بتجاوز أي خلاف أو تحفظ سابق أو لاحق. لأن الأولوية للانتصار في هذه الحرب. لهذا يجب السعي لتشكيل أوسع الجبهات بعيداً من الخطأ الذي يقع فيه كثيرون عندنا حين تنشأ مواقف جديدة إيجابية، ولو انتهازاً أو نفاقاً (في مصلحة المقاومة والإنتفاضة الآن) من قِبَل أفراد أو حتى منظمات، أو تجمعات، وقفت حتى الماضي القريب ضدّ المقاومة والانتفاضة، أو أوغلت في سياسات التعايش والتفاوض والتسوية والتنازلات. فمن هنا علينا أن نتعلم كيف لا ننساق وراء الرغبة في تصفية الحسابات وعدم الرضا عن اشتراكها إلى جانبنا ضدّ العدو، نصرة للمقاومة والصمود الشعبي. أي علينا أن نتعلم كيف نلتقي ولو موضوعياً، مع من يخالفنا ونشكّل أوسع الجبهات في المعركة أو في الحرب المستعرّة من أجل الانتصار. في أوقات الهزيمة أو الضعف أو ميزان القوى المختل في غير مصلحتنا يمكن أن تكون ثمة فائدة مباشرة، أو غير مباشرة، من تفرّق صفوفنا والصراعات في ما بيننا والدخول "من أبواب متفرّقة". ولكن في زمن المقاومة المنتصرة والحروب التي يمكن كسبها من خلال فرض إرادتنا فإن أوسع الحشد ضرورة قصوى لتركيز قوانا وتكثيف هجومنا وحسن إدارتنا للصراع. ولهذا يجب على القوى الأسبق في نشاطها أو التي تحمل أهداافاً ثورية أبعد مدى ألاّ تسمح لنفسها بالشماتة بالذين تراجعوا عن مواقفهم وانضموا لنصرة المقاومة أو تسمح بالانقياد وراء المخاوف من أن يركبوا الموجة أو يوّجهونها نحو التخاذل أو الانحراف. هنا يجب أن تحدّد الأولوية المطلقة للانتصار بهذه الحرب، فيجب أن يتسّع التأييد الشعبي كما تأييد الشخصيات والنخب ليصبح التحرك قوياً جباراً يمكنه أن يفرض إرادة الرأي العام في الصراع. ثم بعد ذلك لكل حادث حديث. نعم يجب أن نتعلم كيف نتحدّ ونحشد أوسع القوى لننتصر في هذه الحرب. منير شفيق