1 - قبل أيام، سألت فتح الله أرسلان، على هامش لقاء جمعني به، عن تخلف جماعة العدل والإحسان في البحث عن حلفاء دوليين، بالانخراط، مثلا، في إحدى الأمميات السياسية. كان أساس سؤالي المُركب ينطلق من حديث السيد أرسلان عن كون النظام الانقلابي في مصر لا يمكنه أن يخرج البلد من الأزمات التي تتخبط فيها بالرغم من الدعم الخليجي والأمريكي. هل بإمكان العدل والإحسان أن تخرج المغرب مما يعيشه من أزمات، إن هي وصلت إلى الحكم، وفي يدها كل مفاتيح السلطة، مضاف إليها الدعم الشعبي؟ قد تكون بإمكانها إقامة نوع من العدل، كأن تجعل المغاربة متكافئي الفرص ومتساوين أمام القانون. هذا على مستوى «العدل»؛ أما «الإحسان» فماذا عساها تقوم به لكي تجعل المغربي «يعبد الله كأنه يراه»، غير تخليق الإدارة والحكامة والحياة العامة، تخليقا بالمعنى الأخلاقوي وليس الإيتيقي؟ هل تستطيع الجماعة أن تجد في ظرف خمس سنوات، وهو عمر الحكومة، حلولا جذرية لجوهر الأزمة، دون أن تدخل الدولة في أزمات أخرى: هل سيكون بإمكانها، مثلا، إيجاد حل لمشكل البطالة وإصلاح البنية التحتية دون أن تلجأ إلى إغراق الدولة في مزيد من المديونية؛ وأن تفكر في رفع الاستثمار وخلق الثروة دون أن يكون ذلك على حساب البيئة؛ وأن تستكمل الوحدة الترابية للمغرب دون أن ترتهن لبرنامج سنوي من التسلح؟ أجابني السيد أرسلان بأن تدويل تحالفات الجماعة غير ممكن في الوقت الراهن، نظرا إلى المضايقات التي تمارس على الإسلام. لم يقنعني جوابه، من جهة، لأن الجماعة شاركت، خلال السنة الماضية، في أشغال المنتدى الاجتماعي العالمي بتونس، وصرح ممثلها لوسائل الإعلام بأن «العلمانية أرحم بالإسلام والمسلمين من الأنظمة المتأسلمة، التي أدلجت الدين وسيّست المساجد وفق هواها»، وهو تصريح فهمت منه شخصيا أن الجماعة خطت خطوتها الأولى في طريق عولمة نضالها، على أساس إرجاء التناقضات الثانوية، ومنها التناقض الحضاري بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، لمواجهة التناقض الرئيسي بين القوى المستغِلة، وتضم مؤمنين ولادينيين، والقوى المستغَلة، وفيها مؤمنون ولادينيون أيضا. إن عولمة النضال ضد العولمة وتشبيك جهود المجموعات الجذرية (أقصد المجموعات السياسية والاجتماعية التي لا تسعى فقط إلى الوصول إلى الحكومات لتلطيف أزمة الرأسمالية) أصبحا أمرا ضروريا لمحاصرة العولمة النيوليبرالية المتوحشة وآثارها المدمرة للإنسان والبيئة والقيم.. 2 - كان عبد الله عزام، الذي يوصف بكونه «رائد الجهاد الأفغاني»، يجد حرجا في الحديث عن ترك وطنه فلسطين محتلا من طرف الصهاينة والهجرة إلى أفغانستان لقتال الروس، فكانت الأفكار تخرج مرتبكة من ذهنه وهو يبرر هجرته، تارة، بكون المقاومة الفلسطينية، وأساسا حركة «فتح» التي كان عضوا فيها، علمانية ولا دين لها، وتارة أخرى بالقول إن «العرب قد يقتلوننا قبل اليهود»... بل لقد وصل الأمر بعزام حدَّ إبداء امتعاضه من إعلان الدولة الفلسطينية في 1988 فقال: «الدولة الفلسطينية التي اعترفوا بها ليس لها شبر واحد على الأرض.. والأفغان حرروا أكثر من 90 في المائة من أرضهم.. ولا يعترفون بهم». موقف عبد الله عزام هذا، نقله من فكر الإخوان المسلمين، الذي انتمى إليه في مرحلة كانت فيها قضية فلسطين خارج أجندة الإخوان، إلى الفكر الجهادي الذي أصبح عزام، بدءا من سنة 1984، أحد رواده. هذا الموقف هو نفسه، تقريبا، الذي عبرت عنه «الدولة الإسلامية» قبل أيام، تعليقا على العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث نقل عن تنظيم البغدادي قوله: «إن الله في القرآن الكريم لم يأمرنا بقتال إسرائيل أو اليهود حتى نقاتل المرتدين والمنافقين». القضية بالنسبة إلى الشيخين عزام والبغدادي قضية يهود ومسلمين، وليست قضية صراع مصالح لا دين لها، يواجه فيها مسيحيون ويهود ومسلمون، مسيحيين ويهودا ومسلمين. عزام والبغدادي لا يعرفان أن مؤسسي الحركة الصهيونية كانوا ملحدين، وأن المجتمع الإسرائيلي من أكثر المجتمعات هجرة للتدين، وأن الدين اليهودي ينظر إليه في إسرائيل، أساسا، كعنصر ثقافي قومي. 3 - في حوار صحافي لي مع المفكر الإسلامي الفلسطيني، منير شفيق، قبل حوالي سنتين، قادنا النقاش إلى اليسار والإسلاميين، وفهم جوهر الإمبريالية والصهيونية، ففوجئت بالرجل الذي غادر خيمة اليسار منذ السبعينيات يقول لي: «... اليسار الذي مازلت متعاطفا معه، وأتمنى ألا يغيب عن الساحة.. يضيء ويساهم أفضل من الحركات الإسلامية في فهم الوضع العالمي. الحركات الإسلامية، والفكر الإسلامي عموما، لم يدرس إلى هذه اللحظة النظام الرأسمالي العالمي والإمبريالي دراسة دقيقة، فالإسلاميون، مثلا، مهتمون بالرأسمالية في ما يتعلق بالبنوك الربوية. هذا شيء جزئي بسيط، الرأسمالية والبنوك هما أخطبوط يسيطر على المجتمعات وينهبانها، ليس فقط بالربا، فالربا والفوائد قد لا تتعدى أحيانا 1 في المائة. اليسار له طريقة أفضل لفهم طبيعة النظام الرأسمالي».